للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجر مرة ثانية، ثم خرج من المسجد إلى ربوة الصفا حيث سعى بين الصفا والمروة.

ولما انتهى من سعيه نادى في الناس ألا يبقى على إحرامه من لا هدي معه.. وقال -صلوات الله وسلامه عليه-: "لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها" ١.

وقد تحلل كثير من المسلمين الذين لم يسوقوا الهدي معهم، وتبعت البقية الأخرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إحرامه.

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة، ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى منى، فقضى بها طول يومه وقضى الليل كله حتى مطلع الفجر، ثم أدى صلاة الفجر وركب ناقته القصواء حتى بزغت الشمس ثم قصد إلى عرفات. وهناك وعلى هذا الجبل الخالد٢ وقف -صلوات الله وسلامه عليه- وأحاط به المسلمون يلبون ويكبرون وتسموا أرواحهم إلى الملأ الأعلى فينسبون الحياة، ولا يفكرون إلا في ذات الله ٣. فيا له من مجتمع كريم يتلاقى فيه المسلمون من كل فج وقد وحد بينهم الهدف والغاية، وألّف بين قلوبهم دين أغناهم عن الأحساب والأنساب، وأنساهم الحمية الجاهلية، والعصبية القبلية. ويا له من مؤتمر عظيم يعقد في كل عام، ويضم المسلمين في أرجاء الدنيا على اختلاف أجناسهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويحققوا معنى الوحدة والتضامن، ويتشاوروا فيما يكفل لهم الخير ويمكنهم من الأعداء حتى يعملوا على تلافي النقص وبلوغ الكمال.


١ انظر "صحيح مسلم" بشرح النووي ٨/ ١٧٠ وغيره.
٢ الباقي بقاء الدنيا.
٣ أي: في عظمة الإله، وأما التفكير في ذات الإله فمحرم بنص الأحاديث الكثيرة التي أوردها أبو الشيخ في أول كتابه "العظمة" ص ٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>