البارزة فيها وقفات طويلة. ونستعرض ما يتسنى لنا من آراء، ثم نرجح ما نختاره في ضوء المنطق السليم والبرهان القويم.
وقد قسمنا هذا الكتاب إلى عدة فصول، وراعينا في تقسيمه التسلسل الطبيعي الذي تقتضيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ فجر حياته إلى أن انتهى يومه الذي قدره الله له في هذه الدنيا ولحق بالرفيق الأعلى.
وكان لا بد لنا أن نقدم بين يدي السيرة النبوية مقدمات تمهد للقارئ الطريق، حتى يمكن أن يتمثل الجو الذي ولد فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- والأساس الذي يرجع إليه، والبيئة التي نشأ فيها. وقد تكلمنا في هذه المقدمات عن العرب المستعربة في مكة، وعن الديانة في شبه الجزيرة العربية، ودخول الوثنية وانتشارها بها، وعن المجتمع العربي قبل الإسلام، وعن اليهودية والنصرانية في بلاد العرب وما لحق بهما من تغيير وتبديل، وما أصابهما من فساد أخرجهما عن فطرة الله، ونأى بهما عن الحق الذي أنزله الله، وكيف دخلت هاتان الديانتان في بلاد العرب لينشب الصراع بين هذه الديانات جميعا، وذلك حتى يتبين للقارئ مدى الفوضى التي كان يعيش فيها العرب قبيل الإسلام، وكيف كانت الظروف تتطلب المنقذ الذي يرفع لواء الحق ويؤلف قلوب الناس إليه.
وبعد..فهذه صحف لم تكتب إلا لطلاب العلم والباحثين في التاريخ ومن يهتمون بالحق لوجه الحق وحده، لأني إنما أردتها وقصدت بها إلى هؤلاء النفر من الناس، ولأنها ليست صورًا يتخيلها كاتب ثم يسجلها يبتغي بذلك إمتاع القارئ وتسليته، ويخدعه بزخرف القول وبريق الأسلوب فيمشي في وميضه، دون أن ينظر إلى جوهر الحق وجلاله الوضَّاء، ولكنها دراسات وتأملات فيما حوته كتب التاريخ والسير من أنباء وروايات.