وأنا معه أتبع أثره, أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد علي كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد فنادى أندية قريش فقال: يا معشر قريش, إن ابن الخطاب قد صبا، فقال عمر: كذبت ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت برسوله، فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رءوسهم حتى فتر عمر، وجلس عمر فقاموا على رأسه فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم, فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا أو تركناها لكم ... فبينما هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي فقال: ما بالكم إن ابن الخطاب قد صبا، قال: فمه, امرؤ اختار دينًا لنفسه، أتظنون أن بني عدي يسلمون إليكم صاحبهم? قال: فكأنما كانوا ثوبًا انكشف عنه، فقلت له بعد بالمدينة: يا أبت, من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ? قال: يا بني, ذاك العاص بن وائل، خرجه أبو حاتم وابن إسحاق.
وخرج القلعي طرفًا من هذه القصة وقال: قال عمر: لا نعبد سرًّا بعد اليوم، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ١ وكان ذلك أول ما نزل من القرآن في تسمية الصحابة مؤمنين، وكان عمر عند ذلك ينصب رايته للحرب بمكة ويحاربهم على الحق، ويقول لأهل مكة: والله لو بلغت عدتنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا, أو لتركناها لكم.
"شرح" أندية: جمع نادٍ وندي وهو مجلس القوم ومتحدثهم فإن تفرقوا منه فليس بندي, وثاوروه أي: واثبوه، وأثار به الناس أي: وثبوا عليه، قاله الجوهري, ركدت الشمس على رءوسهم أي: قام قائم الظهيرة وكأنه سكن، ومنه ركدت السفينة: سكنت، وكذا الريح والماء, والحلة: إزار ورداء، ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين.