اللين، يأتي على الأمور لا يتجاوز منها شيئًا معتدلًا لا عدوان فيه ولا تقصير، مقتصد لما هو آتٍ, وهو عمر بن الخطاب.
وعن أنه قال في خطبة طويلة: إن الله تعالى صير الأمر إلى عمر في المسلمين, فمنهم من رضي ومنهم من سخط، فكنت ممن رضي، فوالله ما فارق الدنيا حتى رضي به من سخطه، فأعز الله بإسلامه الإسلام وجعل هجرته للدين قوامًا، وضرب الحق على لسانه حتى ظننا أن ملكًا ينطق على لسانه، وقذف الله في قلوب المؤمنين الحب له وفي قلوب المنافقين الرهبة منه، شبهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجبريل فظا غليظا، وبنوح حنقًا مغتاظًا فمن منكم بمثله.
وقد تقدم معنى الجميع وبعض ألفاظه في باب أبي بكر وعمر.
وعنه قال: المتفرسون في الناس أربعة: امرأتان ورجلان؛ فالمرأة الأولى: صفيراء بنت شعيب لما تفرست في موسى فقالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} والرجل الأول: الملك العزيز تفرس في يوسف -وكانوا فيه من الزاهدين- فقال لامرأته:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} والمرأة الثانية: خديجة, تفرست في النبي -صلى الله عليه وسلم- النبوة فقالت لعمها: قد شمت روحي روح محمد أنه نبي هذه الأمة فزوجني منه, والرجل الثاني: أبو بكر الصديق, لما حضرته الوفاة قال: إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب فقلت له: إن تجعلها في عمر فإني راض، فقال: سررتني، والله لأسرنك بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: وما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم? فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إن على الصراط عقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب" فقلت: أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم? قال: بلى، قلت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"هذان سيدا كهول أهل الجنة".