للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعولت, والفهر: الحجر ملء الكف يذكر ويؤنث والجمع: أفهار, واعتصم: امتنع, قال ابن إسحاق: وكانت قريش تسمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مذممًا ثم يسبونه, وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا تعجبون مما صرف الله عني من أذى قريش, يسبون ويهجون مذممًا وأنا محمد؟! " وعنها١ أن أم جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يابن أبي قحافة, ما شأن صاحبك ينشد فيّ الشعر؟ فقال: والله ما صاحبي بشاعر فقالت: أليس قد قال: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} فما يدريه ما في جيدها؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "قل لها: هل ترين عندي أحدًا؟ فإنها لن تراني, جعل الله بيني وبينها حجابًا" فقال لها أبو بكر فقالت: أتهزأ بي يابن أبي قحافة؟ والله ما أرى عندك أحدًا, خرجه في فضائله أيضًا. "شرح" المسد -بالتحريك: الليف, والجيد: العنق.

ذكر إخراج المشركين أبا بكر, وجوار ابن الدغنة له:

عن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار بكرة وعشيا, فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال ابن الدغنة: مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرَج, إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق, فارجع فاعبد ربك ببلدك, فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج, أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر, وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره, وليصل مهما شاء, وليقرأ ما شاء, ولا يؤذنا، ولا


١ وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>