للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآخر: أن يكون أصله "استَتْخَذَ" على وزن "استَفعَلَ" من "تَخِذَ" أيضًا، فحُذِفت التاء الثانية التي هي فاء الفعل استثقالًَا للمثلين، كما حذفوا التاء الأُولى من "اتَّقَى" كراهيةً لاجتماع المثلين أيضًا١، فقالوا: "تَقَى يَتْقِي". قال الشاعر٢:

تَقُوهُ, أَيُّها الفِتيانُ, إِنِّي ... رأيتُ الله قَد غَلَبَ الجُدُودا

يريد: اتّقُوه. فعلى هذا تكون السين زائدة. وعلى الأول تكون بدلًا من أصل.

والصحيح من هذين القولين عندي الثاني؛ لأنه قد ثَبَتَ حذف إحدى التاءين لاجتماع المثلين في "تَقَى", وباطّراد إِذا كانت المحذوفة زائدة في مثل "تَذَكَّرُ" و"تَفَكَّرُ"، تُريد:٣ تَتَذكَّرُ وتَتَفكَّرُ. ولم يثبت إِبدال السين من التاء، بل ثَبَتَ عكسه. والبدل في مثل هذا ليس بقياس، فيقالَ به حيث لم يُسمع. فلذلك كان الوجه الثاني أحسن الوجهين عندي؛ لأنَّ فيه الحملَ على ما سُمع مثله.

وأمَّا "أَسْطاعَ"٤ فالسين عند سيبويه فيه عِوَض من ذَهاب حركة العين منها. وذلك أنَّ أصله "أَطْوَعَ"، فنُقِلتْ فتحة الواو إِلى الطاء فصار "أَطَوْعَ"، ثمّ قُلبت الواو ألفًَا لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها في اللفظ، ثمّ زيدت السين عوضًا من ذهاب الحركة في العين –وهي الواو- بجعلها على الفاء. وقد تَعقَّبَ المبرّدُ ذلك على سيبويه، فقال: إِنَّما يُعوَّضُ من الشيء إذا فُقِدَ وذَهبَ. فأمَّا إِذا كان موجودًا في اللفظ فلا. وحركة العين التي كانت في الواو موجودة في الطاء.

والذي ذهب إِليه سيبويه صحيحٌ. وذلك أنَّ العين لمّا سَكنتْ تَوهَّنتْ لسكونها، وتَهيَّأت للحذف عند سكون اللّام. وذلك في نحو: لم يُطِعْ وأَطِعْ وأَطَعْتُ. ففي هذا كلّه قد حُذِفَتِ العينُ لالتقاء الساكنين. ولو كانت العين متحرّكةً لم تُحذف٥، بل كنتَ تقول: "لم يُطْوِعْ" و"أَطْوِعْ" و"أَطْوَعْتُ". فزيدت السينُ لتكونَ عوضًا من العين متى حُذِفَت. وأمَّا قبل حذف العين فليست بعِوَضٍ، بل هي زائدة. فلذلك ينبغي أن يجعل "أَسْطاعَ" من قَبيل ما زيدت فيه السين، بالنظر إِليه قبل الحذف. ومن جعل "أسْطاع" من قَبيل ما السينُ فيه عِوَضٌ فبالنظر إلى الحذف.


١ أغفل سقوط همزة الوصل لتحرك ما بعدها.
٢ خداش بن زهير. النوادر ص٤ والمنصف ١: ٢٩٠ وسر الصناعة ١: ٢١٠ وإصلاح المنطق ص٢٨ والعيني ٢: ٣٧١. والجدود: جمع جد. وهو الحظ.
٣ م: يريد.
٤ الكتاب ١: ٨. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب "اللباب" أن في هذه الكلمة خمس لغات [هي في الارتشاف ١: ١٠٦] وأن السين زائدة في أسطاع.
٥ م: "لما حذفت". وكذلك عبارة سر الصناعة.

<<  <   >  >>