للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زائدًا، فكذلك ما كان بمنزلته. ولذلك حذفوا نون عَرَنقُصان١ تخفيفًا، فقالوا: عَرَقُصان، كما حذفوا الألف من عُلابِط٢ وهُدابِد٣ وأمثالهما، حين قالوا: عُلَبِط وهُدَبِد.

ووجه الشبه بينهما أنَّ في النون غُنَّةً في الخياشيم، كما أنَّ في حروف المدِّ واللين مدًّا، والغُنَّة والمدّ كلُّ واحد منهما فضلُ صوت في الحرف. ولذلك إذا جاءت النون ثالثة ساكنة، فيما هو على خمسة أحرف، إِلَّا أنها مدغمة نحو: عَجَنَّس٤، لم تكن إِلَّا أصليَّة٥؛ لأنها إذ ذاك تَشَبَّثُ بالحركة، والنون إذا تحرَّكت كانت من الفم وضعفت الغُنَّة فيها.

ولذلك لم تُزَد ثالثة ساكنة قبل حرف الحلق؛ لأنها إذ ذاك تكون من الفم وتضعف فيها الغُنَّة، فلا تشبه حرف العلَّة. ولو ورد في الكلام مثل "جَحَنْعَل" مثلًا لجُعلت النون فيه أصليَّة كما جُعلت في "عجنَّس" كذلك، لمفارقتها إذ ذاك الغُنَّة التي أشبهت بها حرف العلَّة.

فهذه جملة الأماكن التي يُقضى على النون فيها بالزيادة. وما عدا ذلك قُضي عليه بالأصالة، ولا يقضى عليه بالزيادة إِلَّا بدليل٦:

فممّا زيدت فيه النون أوَّلًا لقيام الدليل على زيادتها: نَرْجِسٌ٧, وزنه "نَفْعِلٌ". وإنَّما لم تكن نونه أصليَّة؛ لأنه ليس في كلامهم "فَعْلِل"٨.

فإن قيل: وكذلك ليس في كلامهم "نَفْعِل". فالجواب أنه قد تَقدَّم أنَّ الحرف إذا كان جعله زائدًا يؤدِّي إلى بناء غير موجود، وكذلك٩ جعله أصليًّا، قُضِيَ عليه بالزيادة، للدخول في الباب الأوسع؛ لأنَّ أبنية المزيد أكثرُ من أبنية الأصول.

وزعم ابن جنِّي أنَّ النون في نِبراس١٠ زائدة ووزنه "نِفْعال"، وجعله مشتقًّا من البِرْس وهو القطن؛ لأنَّ الفتيل يُتَّخذ في الغالب من القطن. وذلك اشتقاقٌ ضعيف جدًّا. بل لِقائل أن يقول: الغالب في الفتيل ألَّا يكون من القطن.


١ العرنقصان: نبات.
٢ العلابط: الضخم الغليظ.
٣ الهدابد: اللبن الخاثر.
٤ العجنس: الجمل الضخم الصلب الشديد ووزنه: فَعَلَّلٌ.
٥ يريد أنها مكررة من نون أصليَّة
٦ وهذا هو القسم الثاني الذي أشار إليه في مستهل الباب.
٧ المنصف ١: ١٠٤. وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن من ذلك نَهاوِش ونَهابر؛ لأنهما من الهوش والهبر.
٨ كذا. وقد ذكر في الرباعيِّ المجرد بناء فَعْلِل ومثَّل له بطحربة. انظر ص٥٤.
٩ م: ولذلك.
١٠ النبراس: المصباح.

<<  <   >  >>