للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزعم الفارسيُّ١ أنَّ الصحيح ما ذهب إليه يُونُس، من زيادة الثاني من المِثلَين، واستدلَّ على ذلك بوجود "اسحَنكَكَ"٢ و"اقعَنسَسَ"٣ وأشباههما في كلامهم. وذلك أنَّ النون في "افعَنْلَلَ" من الرباعيّ لم توجد قطُّ إِلَّا بين أصلين، نحو: احرَنجمَ٤. فينبغي أن يكون ما أُلحق به من الثلاثيِّ٥ بين أصلين؛ لئلَّا يُخالف الملحَقُ ما أُلحِقَ به. ولا يمكن جعل٦ النون في "اسحَنكَكَ"٧ و"اقعَنسَسَ" وأشباههما بين أصلين، إِلَّا بأن يكون الأوَّلُ من المثلين هو الأصل، والثاني هو الزائد. وإذا ثَبَتَ في هذا الموضع أنَّ الزائد من المثلين هو الثاني حُملت سائر المواضع عليه.

وهذا الذي استدلَّ به لا حجَّة فيه؛ لأنه [٣٠ أ] لا يَلزمُ أن يوافق الملحَقُ ما أُلحِقَ به في أكثرَ من موافقته له في الحركات والسَّكنات وعددِ الحروف؛ ألا ترى أنَّ النُّونَ في "افعَنلَلَ" من الرباعيِّ بعدها حرفانِ أصلانِ، وليس بعدها فيما أُلحِقَ به من الثلاثيِّ إِلَّا حرفان، أحدُهما أصليٌّ والآخر زائد؟ فكما خالف الملحَقُ الملحَقَ به في هذا القَدْر، فكذلك يجوز أن يُخالفه في كون النون في الملحق به واقعة بين أصلين، وفي الملحق واقعة بين أصل وزائد٨.

والصحيح عندي ما ذهبَ إليه الخليلُ، من أنَّ الزائد منهما هو الأوَّلُ، بدليلين:

أحدهما: أنهم لمّا صَغَّروا صَمحمَحًا قالوا: صُمَيمَحٌ٩، فحذفوا الحاء الأُولى: ولو كانت الأُولى هي الأصليَّة والثانية هي الزائدة لوجب حذف الثانية؛ لأنه لا يُحذف في التصغير الأصلُ ويبقى الزائد.

فإن قال قائل: فلعلَّ الذي مَنعَ من حذف الحاء الأخيرة، وإن كانت هي الزائدة، ما ذكره الزَّجَّاج من أنكَ لو فَعلتَ ذلك لقلت "صُميحِمٌ"، ويكون تقديره من الفعل "فُعَيلِعٌ"، وذلك بناء غير موجود. فالجواب أنَّ هذا القدر ليس بمُسوِّغٍ حذفَ الأصليِّ، وتركَ الزائد؛ لأنَّ البناء الذي يُؤدِّي إليه التَّصغيرُ عارضٌ لا يُعتدُّ به، بدليل أنك تقول في تصغير افتِقار: فُتَيقِيرٌ١٠، فتحذف


١ م: المازني.
٢ اسحنكك الليل: اشتدت ظلمته.
٣ اقعنسس: رجع وتأخر.
٤ احرنجم القوم: اجتمعوا.
٥ في النسختين: الثلاثة.
٦ م: حمل.
٧ امحنكك.
٨ في حاشية ف بخط أبي حيان تعليل لمذهب الخليل ونقد لتعليل ابن عصفور.
٩ م: صميميح.
١٠ م: فتيقر.

<<  <   >  >>