للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قبيل ما أُبدلت الهمزة فيه من الألف باطِّراد إبدالُهم الهمزة من ألف التأنيث، في نحو: صَحراء وحَمراءَ وأشباههما. الهمزة في جميع هذا مبدلةٌ من ألف التأنيث.

فإن قال قائل: وما الدليل على ذلك؟ فالجواب أن تقول١: الدليل على ذلك أنَّ الهمزة لا تخلو من أن تكون للتأنيث بنفسها، أو بدلًا من ألف التأنيث. فباطلٌ أن تكون بنفسها للتأنيث لأمرين:

أحدهما: أنَّ الألف قد استقرَّت للتأنيث في "حُبلَى" وأشباهه، والهمزة لم تَستقرَّ له، إذ قد يمكن أن تجعل بدلًا من ألف. وإذا أمكن حمل الشيء على ما استقرَّ وثَبَتَ كان أَولَى من أن يُدَّعى أنه خلاف الثابت والمستقرِّ٢.

والآخر: أنهم قالوا في جمع صحراءَ: صَحارِيٌّ، وفي بطحاءَ: بَطاحِيٌّ. قال الوليد بن يزيد٣:

لَقَد أَغدُو, على أَشقَـ ... ـرَ, يَغتالُ الصَّحارِيَّا

وقال غيره٤:

إِذا جاشَتْ حَوالِبُهُ تَرامَتْ ... ومَدَّتْهُ البَطاحِيُّ, الرِّغابُ

ولو لم تكن هذه الهمزةُ مُبدلةً من ألف التأنيث لوجب، في لغة من يُحقِّقُ، أن يُقال: "بَطاحِيءُ" و"صَحارِيءُ"، كما قالوا: قُرَّاءٌ٥ وقَرارِيءُ. لكن لمَّا كانت مبدلة، لأجل الألف التي قبلها، وجب رجوعها إلى أصلها لزوال مُوجب القلب في الجمع٦، وهو الألف التي قبلها، فصار "صحارِيْ ا"، فوقعت الياء الساكنة قبل الألف التي للتأنيث، فقلبت الألف ياء لوقوع الياء والكسرة قبلها، ثمَّ أُدغمت الياء في الياء.

فإن قال قائل: إِنَّما يدلُّ قولهم "صحاريّ" على أنَّ الهمزة مبدلةٌ من غيرها، إذ لو لم٧ تكن بدلًا لقالوا "صَحارِيءُ"٨. فأمَّا أنها مبدلة من الألف فليس على ذلك دليلٌ. إذ لعلَّها بدلٌ من ياء أو واو. فالجواب أنه إذا ثَبَتَ أنها بدلٌ فينبغي أن تجعل بدلًا من ألفٍ؛ لأنَّ الألف قد ثَبَتَتْ


١ م: يقول.
٢ م: خلاف المستقر.
٣ ديوانه ص٥٨ وسر الصناعة ١: ٩٧ والإنصاف ص٨١٦ وشرح الشافية ١: ١٩٤ وشرح شواهده ص٩٥ وشرح الملوكي ص٢٦٩ وشرح المفصل ٥: ٥٨ والخزانة ٣: ٣٢٤-٣٢٦. وأغدو: أذهب صباحًا. والأشقر: فرس حمرته صافية. ويغتال: يقطع بسرعة فائقة.
٤ سر الصناعة ١: ٩٧ والخزانة ٣: ٣٢٥ وشرح المفصل ٥: ٥٨. وجاشت: اضطرمت. والحوالب: منابع العرق. والبطاحي: جمع بطحاء والرغاب: الواسعة.
٥ القراء: الناسك المتعبد.
٦ سقط "في الجمع" من م.
٧ سقط من م.
٨ ف: صحاريّ.

<<  <   >  >>