للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في "تَذَكَّرُونَ" ونحوه حُذفتِ الثانية، ولم تُحذف الأولى حيث كانت لمعنًى.

وللخليل أن يَفرق بينهما فيقول:١ إنَّ التَّاء الأولى في "تَذَكَّرُونَ" وأمثاله حرف منفرد, فلو حُذفتْ لم يبق ما يدلُّ على المعنى الذي كانت التاء تعطيه. وأنت إذا حذفت واو "مَفعُول" أبقَيتَ الميم تدلُّ على معنى المفعوليَّة.

فإن قال٢: إنَّ الزِّيادة التي لمعنى إذا كانت معها زيادة أُخرى فإنهما يجريان مجرى الزِّيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ المعنى يقع بمجموعهما؟ فإذا وقع٣ بمجموعهما لم يَجُز أن تُحذف واحدة منهما، كما لم يجز أن تُحذف [٤٣أ] الزيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ الزيادتين إذا لحَقتا لمعنًى فحُذفت إحداهما حُذفت الأُخرى، نحو زيادتي "سَكران" إذا رخَّمته اسم رجل؟ وكذلك الزيادتان في "مَفعُول"، لو حذفتَ واحدة منهما للزمكَ حذفُ الأخرى. فللخليل أن يقول٤:

لا تجري الزِّيادتان مجرى الزيادة الواحدة. بل يجوز حذف إحداهما وإبقاءُ الأُخرى، لتدلَّ على الأُخرى المحذوفة؛ ألا ترى أنهم قالوا: اسطاعَ يَسطِيعُ٥، فحذفوا إحدى الزيادتين -وهي التاء٦- وأبقوا السين، وهما جميعًا زِيدا لمعنًى، كما أنَّ الميم والواو في "مَفعول" كذلك؟ فأمَّا "سكران" وبابُه فإنَّما حُذفتا فيه معًا، لوقوعهما طرفًا غير مُفترقتينِ. فكان الحذف أغلب عليهما، إذ كان الطرف موضعًا تُحذف٧ فيه الأصول في الترخيم والتكسير٨. فالزِّيادتان في "مَفعول" أشبه بالزِّيادتين في "اسطاعَ" من زيادتي سَكران، لكونهما حشوًا في "مَفعول" كما أنهما في "اسطاع" كذلك.

فإن قيل: فقد٩ وجدناهم حذفوا الأصل وأَبقَوُا الزيادة، لمَّا كانت لمعنًى، فقالوا "تَقَى" في اتَّقَى، فحذفوا التاء الأصليَّة وأبقوا تاء "افتعل". فالجواب أنَّ الذي حَمل على ذلك كونُ الزيادة مُنفَردةً.

وممَّا يدلُّ على صحَّةِ مذهب سيبويه والخليل، وفسادِ مذهب الأخفش، أنَّك إذا نقلتَ الضَّمَّة من العين إلى الفاء، في "مَفُعول" من ذوات الياء, اجتمع لك ساكنان: واو "مفعول"


١ أمالي ابن الشجري ١: ٢٠٥.
٢ المنصف ١: ٢٨٩ وأمالي ابن الشجري ١: ٢٠٥-٢٠٦.
٣ في النسختين: وقعت.
٤ أمالي ابن الشجري ١: ٢٠٥-٢٠٧.
٥ م: يُستطيع.
٦ م: الياء.
٧ م: "حذف". ونقل ابن عصفور نص أمالي ابن الشجري.
٨ زاد في الأمالي: والتحقير.
٩ أمالي ابن الشجري ١: ٢٠٥ والمنصف ١: ٢٩٠. م: قد.

<<  <   >  >>