للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان تركيب الكلمتين واحدًا، ومعنياهما متقاربين ١.

وذلك نحو ما ذهب إليه أبو علي في "أولَق"، في أحد الوجهين، من أنه مأخوذ٢ من: وَلَقَ يَلِقُ، إذا أسرع؛ وذلك لأنَّ الأولَق٣: الجنون. وهي مما يوصف٤ بالسرعة. فلما كانت حروف أولَق، إذا جعلتَه "أفعَل" و"وَلَقَ" واحدة، ومعنياهما متقاربين؛ لأنَّ الجنون ليست السرعةَ في الحقيقة، بل يقرب معناها من معنى السرعة، جعل الأولق مشتقًّا من "وَلَقَ"، لا بمعنى أن الأولق مأخوذ من "وَلَقَ". بل يريد أن الأولق حروفه الأصول الواو واللام والقاف، كما أن "وَلَق" كذلك.

ويستدل على ذلك بأن العرب جعلت هذه الأحرف دالةً على السرعة، و "الأولق" قريب في المعنى من السرعة، فحروفه الأصول الواو واللام والقاف، وهمزته زائدة. فيجعل سبب اتفاق الأولق و"وَلَقَ" في اللفظ تقاربهما من المعنى؛ لأنَّ هذا الاتفاق بين اللفظين وقع بالعرَض، كاتفاق الأسود والأبيض في لفظ الجَون، إذ لا جامع من طريق المعنى بين الجون الذي يراد به الأبيض، والجون الذي يراد به الأسود.

فإن قيل: فكيف٥ يجوز أن تقول: "هذا اللفظ مشتق من هذا اللفظ"، وأحدهما ليس بمأخوذ من الآخر، وقولك: "مشتق" يعطي أخذَ أحدهما من صاحبه؟ فالجواب أن هذا على طريق المجاز، كأنهما لاتحاد لفظيهما وتقارب معنييهما قد أُخذ أحدهما من الآخر، كما تقول في الشخصين المتشابهين: "هذا أخو هذا" تشبيهًا لهما بالأخوينِ.

ولما خفي هذا الوجه من الاشتقاق على بعضهم، رد قول من زعم أن اسم "الله"_تعالى_ مشتق من الوَله أو من غير ذلك؛ لأنَّ "الله" هذا اللفظ قديم؛ لأنَّ أسماء الله –تعالى- قديمة، والوله لفظ محدَث، والمشتق منه قبل المشتق، فيلزم على هذا أن يكون المحدث قبل القديم. وذلك خَلْفٌ٦. ولو علم أنه قد يقال: "هذا اللفظ مشتق من هذا"، وإن لم يكن مأخوذًا منه كما قدمنا لم ينكر ذلك.

والحد الجامع لهذا الضَّرب، من الاشتقاق –أعني الأصغر- هو "عقد تصاريف تركيب،


١ م: متقاربان.
٢ انظر الخصائص ١: ٨، ٩ حيث نسب ابن جني هذا المذهب إلى الزجاج. وانظر ص ١٥٨.
٣ م: الولق.
٤ م: مما توصف.
٥ م: كيف.
٦ الخلف: الرديء الفاسد.

<<  <   >  >>