للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهب الخليل من إعلال العين؛ لأنَّ الحذف إعلال، مع أنَّ حذف الياء التي هي عين ليس بمطَّرد، مع أنَّه ادَّعى أصلًا لم يُلفظ به، ولا مانع يمنع لو كان ذلك١.

فتَبيَّن أنَّ الأَولى ما ذَهَب إليه الخليل. وهذه المذاهب إنَّما تجري في آية؛ لأنها من ذوات الياء بدليل قوله٢:

قِفْ, بالدِّيارِ, وُقوفَ زائرْ ... وتَأَيَّ, إِنَّكَ غَيرُ صاغِرْ

فمعنى تأيَّ: انظُرْ آياتِها. فلو كانت عينها واوًا لقال "وتَأوَّ" كما تقول: تَلوَّ وتَسَوَّ٣.

وكذلك غاية في أحد القولين؛ لأنَّ أبا زيد حكى: غَيَّيتُ الغايةَ وأَغيَيتُها. فهذه دلالة قاطعة على أنها من الياء٤. فعلى هذا تجري فيها٥ المذاهب الثلاثة التي في آية.

وشذَّ من ذلك الفعل٦ "استَحَى"، وكان القياس "استَحْيا"، لكن شذُّوا فيه، فأجرَوه مُجرى: استَبانَ، فنقلوا حركة الياء التي هي عين إلى الساكن قبلها، وقلبوا الياء ألفًا، فصار: استَحَى.

فأمَّا المازنيُّ فيزعم أنَّ الألف حُذفت تخفيفًَا٧، كما حذفت من عُلَبِط٨ وهُدَبِد٩.

وأمَّا الخليل فيزعم أنه لما اعتلَّت العين سُكِّنت، وسُكِّنت اللام أيضًا كذلك بعدها بالإعلال، فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فإن قيل: فلأيِّ شيء لم يردُّوا المحذوف في المضارع، فيقولون١٠: "يَستَحِيُّ"، ويرفعون الياء التي هي لام، ويُدغمون فيها العين؟ فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك أنهم لو فعلوه١١ لرفعوا ما لا يرتفع مثله في كلامهم؛ لأنَّ الأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلًّا لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام١٢. [فأمَّا قول الشاعر١٣:


١ سقط من م. ف: ولا مانع يمنع لو كان من ذلك.
٢ الكميت. ديوانه ١: ٢٢٣ والمنصف ٢: ١٤٢ وإصلاح المنطق ص٣٣٦ واللسان والتاج "أيي".
٣ م: تشد.
٤ م: الواو.
٥ ف: فيه.
٦ المنصف ٢: ٢٠٤-٢٠٦ وشرح الشافية ٣: ١١٩-١٢٠.
٧ المنصف ٢: ٢٠٤ ونظَّر لها هناك بـ"أحَست وظِلت ومِست".
٨ العلبط: اللبن الخاثر الغليظ المتلبد.
٩ الهدبد: اللبن الخاثر.
١٠ كذا بإثبات النون. وانظر ص٢٨٤.
١١ م: لو فعلوا.
١٢ ما بين معقوفين ألحقه أبو حيان بحاشية ف نقلًا عن خط المنصف. وسيرد بعد قليل.
١٣ نسب في التاج "عيي" إلى الحطيئة، وأنشده الفراء في معاني القرآن ١: ٤١٢. وانظر ص٣٧٠ والمنصف٢: ٢٠٦ والتبيان ٥: ١٤٧ ورسالة الملائكة ص١٠٥ والمحتسب ٢: ٢٦٩ والهمع ١: ٥٣ والدرر ١: ٣١ والأشموني ٤: ٣٤٩ واللسان "عيي". وسدة البيت: فناؤه. يصف امرأة وأنها منعمة، فلو مشت بفناء بيتها لتعبت.

<<  <   >  >>