للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قلت: فهلَّا حرَّكوا الثاني من الساكنين إذا التقيا، ثمَّ أدغموا الأوَّل فيه. فالجواب أنَّ حركة التقاء الساكنين عارضة فلم يُعتدَّ بها، كما لم يُعتدَّ بها في نحو١: {قُمِ اللَّيْلَ} ؛ ألا ترى أنهم لا يردُّون الواو المحذوفة من "قُم"٢ لالتقاء الساكنين، وإن كانت الميم قد تحرَّكت؛ لأنَّ الحركة عارضة؟

وأمَّا غيرهم من العرب فيُدغم ويَعتدُّ بالعارض؛ لأنَّ العرب قد تعتدّ بالعارض في بعض الأماكن. وأيضًا فإنَّ٣ الثاني أصله الحركة وليس السكون، [ويحرك إذا اتصل بالضمائر نحو: رُدّا وردُّوا] وردِّي. ولذلك لم يدغموا في: أشدِدْ بحمرة ثوبه! لأنَّ تلك الضمائر لا تلحقه أصلًا. [وأيضًا] فإنه حَملَ ما سكونُه جزمٌ على المُعرَب بالحركة؛ لأنه مُعرَب مثله. فكما أنَّ المُعرَب بالحركة تدغمه نحو: يَفِرُّ٤, فكذلك المُعرَب بالسكون. وحَملَ ما سكونُه بناء على ما سكونُه جزم؛ لأنه يُشبهه؛ ألا ترى أنَّ العرب قد تحذف له٥ آخر الفعل في المعتلِّ كما تحذفه للجزم، فتقول: "اغزُ" كما تقول: لم يَغزُ؟

وأيضًا فإنك٦ قد تُحرِّك لالتقاء الساكنين فتقول: اردُدِ القومَ. فصار بذلك يُشبه المُعرَبَ بتعاقب الحركة والسكون على آخره، كما أنّ المُعرَب كذلك في نحو: يَضرِبُ ولم يَضرِبْ. فلمَّا أشبه المُعرَبَ في ذلك حُمِل في الإدغام عليه.

والذين من لغتهم الإدغام٧ يختلفون في تحريك الثاني:

فمنهم من يُحرِّكه أبدًا بحركة ما قبله إِتباعًا، فيقول: رُدُّ وفِرِّ وعَضَّ، ما لم تتَّصل به الهاءُ والألف التي للمؤنث فإنه يَفتح على كلِّ حالٍ نحو: رُدَّها وعَضَّها وفِرَّها٨، أو الهاءُ التي هي للمذكَّر فإنه يَضمُّه نحو٩: رُدُّهُ وفِرُّهُ وعَضُّهُ -وذلك؛ لأنَّ١٠ الهاء خفيَّة فكأنك قلت: رُدَّا أو رُدُّوا. فكما أنك تفتح مع الألف وتضمُّ مع الواو فكذلك تفعل هنا؛ لأنَّ الهاء خفيَّة- أو لم


١ الآية ٢ من سورة المزمل.
٢ م: من فيه.
٣ سقط حتى "أصلًا" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، وانخرم بعض كلماته.
٤ م: نفر.
٥ أي: للبناء.
٦ ف: فإنه.
٧ في حاشية ف بخط أبي حيان: سمع الكسائيُّ من عبد القيس: ارُدَّ وافِرَّ واعَضَّ. بهمزة الوصل وبالإدغام.
٨ فَرَّ الدابةَ يفِرُّها: إذا كشف عن أسنانها ليعرف عمرها. فالفاء مكسورة في المضارع والأمر. وقيل إنها مضمومة. القاموس واللسان والتاج "فرر".
٩ سقط من م.
١٠ ف: أنّ.

<<  <   >  >>