للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَشبهَ المُعرَبَ من الوجهين المتقدِّمَين، فحُمل عليه في الإدغام. وليس بين سكون الدال في "رَدَدْتُ" وأمثاله وبين [٦٢أ] المُعرَب شَبَه، فلم يكن له ما يُحمل عليه.

إِلَّا ناسًا من بكر بن وائل فإنهم يُدغمون في مثل هذا, فيقولون: رَدَّتُ ورُدَّنَ. كأنهم قدَّروا الإدغام قبل دخول النون والتاء. فلمَّا دخلتا أبقوا اللفظ على ما كان عليه قبل دخولهما١.

فإن٢ كان الثاني من المِثلين ساكنًا فالإظهار. ولا يجوز الإدغام؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى اجتماع الساكنين. وقد شذَّ العرب في شيء من ذلك، فحذفوا أحد المِثلين تخفيفًا، لمَّا تعذَّرَ التخفيف بالإدغام. والذي يُحفظ من ذلك: أَحَسْتُ وظَلْتُ٣ ومَسْتُ٤. وسبب ذلك أنه لمَّا كُره اجتماع المِثلين فيها حُذف الأوَّل منها تشبيهًا بالمعتلِّ العين.

وذلك أنك قد كنت تُدغم قبل الإسناد للضمير، فتقول: أَحَسَّ٥ ومَسَّ وظَلَّ. والإدغام ضرب من الاعتلال؛ ألا ترى أنك تُغيِّر العين من أجل الإدغام بالإسكان، كما تغيِّرها إذا كانت حرف عِلَّة. فكما تُحذف العين إذا كانت حرف عِلَّة، في نحو: قُمتُ وخِفتُ وبِعتُ، كذلك حُذفت في هذه الألفاظ تشبيهًا بذلك.

وممَّا يُبيِّن ذلك أنَّ العرب قد راعت هذا القَدْر من الشَّبه؛ لأنهم يقولون: مِسْتُ، بكسر الميم، فينقلون حركة السين المحذوفة إلى ما قبلها كما يفعلون ذلك في: خِفتُ؛ ألا ترى أنَّ الأصل "خَوِفْتُ"، فنقلوا حركة الواو إلى الخاء، وحذفوها لالتقاء الساكنين، على حسب ما أُحكم في بابه؟

وأمَّا "ظَلْت٦، و"مَسْتُ" في لغة من فتح الميم فحذفوا، ولم ينقلوا فيهما٧ الحركة، تشبيهًا لهما بـ"لَسْتُ", لمَّا كان لا يُستعمل لهما مضارع إذا حُذفا كما لا يستعمل لـ"لَيسَ"


١ م: دخولها.
٢ سقط من م حتى قوله "هذه الأسماء التي شذت". وهو ثابت في نسخة ف، وعلى حاشيته: "عُلّم على هذا المكتوب طرَّة في كتاب الكرمانيّ ... " فهو ثابت أيضًا في نسخة الكرمانيّ. ولو كان ساقطًا في غيرها لنص عليه في الحاشية كما نص على سقوط غيره. وقول المؤلف: "فإن كان الثاني من المِثلين ... يؤدِّي إلى اجتماع الساكنين" هو تكرار لما جاء في ص٤١٦. وهو أيضًا منقوض بنحو: شُذَّ وفِرَّ وعَضَّ ورَدَّتُ ويَرُدَّنَ ورُدَّنَ. وإسقاطه خير من إثباته، إِلَّا إذا أراد بالساكن ما لا يحرك أبدًا.
٣ زاد أبو حيان بحاشية ف: وهَمْتُ في هَمَمْتُ. قاله ابن الأنباري.
٤ علق عليه أبو حيان بحاشية ف بما يلي: "وعلماءِ بنو فلان. أما أحست وظلت ومست فلمَّا كُره". قلت: وكأن هذه العبارة ثابتة في بعض النسخ موضع "وسبب ذلك أنه لما كره". أمَّا قوله "علماء بنو فلان" فهو من باب التخفيف في المِثلين المجتمعين في كلمتين، لا في كلمة واحدة، وقد تَقَدَّمَ قبل. انظر ص٤١٦ و٤٢٠.
٥ ف: حسّ.
٦ علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "ظلت: كسر الظاء لغة الحجاز، وفتحها لغة تميم. قاله أبو الفتح".
٧ ف: فيه.

<<  <   >  >>