للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فإنكم تقولون في عَرْقُوة من الغزو: "غَزْوِيَةٌ"، كما تَقَدَّمَ١ استثقالًا للواوين والضَّمَّة، مع أنه ليس بجار [على مُعْتلٍّ] . فالجواب أنَّ الطَّرَف يُستثقل فيه ما لا يُستثقل في الوسط؛ لأنه مَحلُّ التغيير؛ ألا ترى أنهم يقلبون مثل عصِيّ، ولا يلزم ذلك في مثل صُوَّم.

فإن قيل: فأين وَجدتم ثلاث واوات مُحتمَلة في كلام العرب؟ فالجواب أنه لا يُعلم من كلامهم ما اجتمع فيه ثلاث واوات حَشوًا، لا مصحَّحًا ولا مُعلًّا٢، فيحملَ هذا عليه، والتصحيح هو الأصل فالتزم هذا، مع أنَّ ما يقرب منه موجود في كلامهم وهو مثل: "قَوُوْل"؛ ألا ترى أنَّ فيه واوين وضمَّة، والضَّمَّة بمنزلة الواو، ولم يُغيَّر شيء من ذلك؟

وأمَّا ما ذهب إليه ابن جنِّي٣ من أنه لقائل أن يفرق بين "غَزْوِيَة" و"اقوَوَّلَ" بأن يقول: قد يُستثقل في الاسم فيُعلُّ٤ ما يصحّ في الفعل، واستدلالُه بصحَّة "يُغْزو" وأمثاله واعتلال "أَدْلٍ" وأمثاله، ففي نهاية الفساد؛ لأنَّ الفعل أثقلُ من الاسم بلا خلاف، وأكثرُ إعلالًا. فكيف يصحُّ فيه ما يعتلُّ في الاسم الذي هو أخفُّ. وأمَّا صحَّةُ "يغزو"٥ وإعلال "أَدلٍ" فلأمرٍ عَرَض٦ قد بُيِّنَ في موضعه.

فالصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه.

فإن بنيته للمفعول قلت٧: "اقوُوْوِلَ"، على القولين جميعًا. فلا تُدغِم ولا تَستثقل اجتماع الواوات؛ لأنَّ الواو المتوسِّطة مدَّة محكوم لها بالألف. فكأنَّه ليس في الكلمة إِلَّا واوان بينهما ألف. وقد حُكي عن الأخفش أنه قلب الأخيرة ياء فقال: "اقوُوْيِلَ"٨. والأوَّل أشهر عنه وهو


١ م: وقد تقدم.
٢ ف "ولا معتلًّا". وفي الحاشية بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق على هذه المسألة بقوله: "قد قالوا: احوُوْوِيَ، مبنيًّا لما لم يسمَّ فاعله من: احواوَى يَحواوِي. والألف من احواوى أصلها واو؛ لأنَّه من الحوّة كاحمارّ من الحمرة. واحواوَيتُ كعادَيتُ من العداوة، قلبت الواو فيهما ياء ... [والواوان في البناء] على التاء في حكم الحشو، فكان يجب أن يصحَّ. فليرجع لما قاله سيبويه من عدم قَوُوتُ, لما يلزم فيه من يقوُو. وما رُفض في الفعل رُفض فيما يجري على حدِّه. وهذا هو الصحيح. فإن قال: احوُوْوي الثانية مدة منقلبة عن ألف فكأنهما واوان. قيل له: اجعلهما بمنزلة واوين الثانية كتلكم الثانية المبنية على ما بعدها".
٣ المنصف ٢: ٢٩٠-٢٩١.
٤ سقط من م.
٥ م: أغزو.
٦ في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "ذلك الأمر المعلوم الذي عرض جعلُ آخر الاسم أضعف من آخر الفعل، وأكثر اعتلالًا. ألا ترى أنه يلحقه من تغيير النسب والتثنية والجمع والإضافة لياء الضمير، ما لا يكون في الفعل؟ فلذلك كان الفعل بجملته أشدُّ اعتلالًا من الاسم، وآخِرُ الاسم على الخصوص أشدُّ اعتلالًَا من آخر الفعل؛ ألا ترى ما يلحقه، في الوقف والنداء من الترخيم وغيره ومن التنوين وحذفه، وغير ذلك ممَّا لا يكون في الفعل"؟
٧ المنصف ٢: ٢٤٥-٢٤٦.
٨ م: اقوَويل.

<<  <   >  >>