للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقول١ في "فَعُلان" من "حَيِيتُ": "حَيُوانٌ٢". والأصل "حَيُيَان"، فتَقلبُ الياء التي هي لام واوًا لانضمام ما قبلها.

فإن قيل: فإنَّ الضَّمَّة لا تُوجب قلب الياء المتحرِّكة واوًا؛ ألا تراهم قالوا: عُيَبَةٌ٣، فأثبتوا الياء؟ فالحواب أنَّ الياء التي هي عين إذا كانت متحرِّكة مضمومًا ما قبلها لا تُقلب لقوَّة العين، أمَّا اللام إذا كانت ياء على هذه الصورة فإنها تُقلب؛ ألَا تراهم قالوا: لَقَضُوَ الرَّجلُ! والأصل "لَقَضُيَ"، فأبدلوا الياء واوًا؟

ومن سكَّن الضَّمَّة تخفيفًا قال: "حَيْوانٌ"، فأبقى الواو ولم يردَّ الكلمة إلى أصلها من الياء.


١ المنصف ٢: ٢٣٨.
٢ علَّق ابن مالك على هذه المسألة مستطردًا إلى ما يليها من مسائل، وأثبتَ أبو حيان تعليقته على طيارة أُلحقت بنسخة ف. وقد نُقلت إلى غير موضعها من النسخة، فأعدناها إلى موضعها هنا على الصواب. وفيها ما يلي: "سيبويه يقول في هذه المسألة: حيَّان بالإدغام. [انظر الكتاب ٢: ٣٩٤] . فهذا الرجل خالفه وأخذ بقول غيره. قال [سيبويه] : وتقول في فَعُلان من قَوِيتُ: قَوَّانٌ. وكذلك فَعُلان من حييت: [حَيّانٌ] . تدغم لأنك تدغم فعُلان من رددت -يريد أنك لا تعتدّ بالألف والنون في ترك الإدغام، فتقولَ: حَيَيان، كما تقول: طلَل، بالفتح. فإن ضممت الياء أدغمت كما تدغم فَعُلًا في القياس. وكذلك فَعِلان بالكسر تقول: حَيّانٌ، كما تدغم صَبًّا وبَرًّا- قال: ومن قال حَيِيَ عن بيِّنة، قال: قَوُوانٌ وحَيُيانٌ. هذا كلام سيبويه. وهذا المؤلف بمعزل عنه.
ومن تعليق أبي عليٍّ هنا: فَعُلان من حييت حَيُيان، وقيل حَيُوان. فهذا هو الذي قال هذا المؤلف هنا.
[وقال] أبو العباس: قَوُوان غلط، ينبغي أن يكون قَويان بكسر الواو وتقلب الثانية ياء؛ لأنه لا تجتمع واوان في إحداهما ضمَّة والأخرى متحرِّكة. وهذا قول أبي عمر وجميع أهل العلم. ويدلُّ على صحته قول سيبويه بعد في فَعلُوة من غزوت: غَزْوِية.
فهذا أبو العباس، ومن رأى من أهل العلم، جعل الألف والنون كالتاء في أحد وجهيها، ولم يبن عليهما، فقياس فَعُلان عندهم من حييت: حَيِيان، بالكسر؛ لأنَّ الياء إذا تطرَّفت وقبلها ضمَّة قلبت الضَّمَّة كسرة، كقولهم: أظبٍ وتسلٍّ وتقضٍّ وترامٍ. وهذا كقول سيبويه في فَعلُوة كترقُوة من غزوت: غَزْوِيةٌ. الأصل غَزْوُوة. وكأنها غزوُوٌ كأدلُو، فتقول: غزوٍ كأدلٍ. فإن اعتبرت التاء قلتَ: غَزْوُوة، في القياس كما قالوا: قلنسوة وعرقوة وقمحدوة. وكذلك قياس الألف والنون فإنهم قد اعتدُّوا بهما، فقالوا: أقحوان وعنظوان وأفعوان.
إِلَّا أبا العباس ومن ذكر من شيوخه لا تُجمع عندهم واوان إحداهما مضمومة، وبهذا قال أبو إسحاق، فالتزموا قَوِيان. وكذلك التزم سيبويه غَزْوِية، والوجه غزووة فيمن بنى على التاء. قال سيبويه: ولا تقول: غَزْوُوة؛ لأنك إذا قلت غزووة إنَّما تجعلها كالواو في سَرُوَ [ولغَزُوَ] . فإذا كانت قبلها واو مضمومة لم تثبت كما لا يكون فعُلت مضاعفًا من الواو نحو: قوُوت. [الكتاب ٢: ٣٩٦] .
فمن هنا قال من تقدّم قَوِيان، بُنيت على الزيادتين أو لم تُبن. وسيبويه لم يجعلهما كالتاء، ولا يُشبَّه ما ذكروه بغزوِية؛ لأنَّ الأُولى في قووان عين والثانية لام، وهي في غزووة لام والثانية زائدة. وليس تعليل اللام كتعليل العين، وليست الألف والنون كالتاء؛ ألا تراهم صحَّحوا نَزَون وغلَيان، وأعلُّوا قناة وقطاة وشواة الرأس ودواة؟ فهذا فرق بيِّن. وقال سيبويه في فَعُلة من رميت: رَمُوةٌ، إذا بُنيتْ على التاء، ورَمِيةٌ إذا لم تبن، وقال في حَيُيان بالإدغام، ولم يجعله كحيي الذي [لا] يلزم فيه حيّ؛ لأنه لم يجعل الزيادتين كالتاء" اهـ.
قلت: والصحيح أنَّ ابن عصفور أخذ بمذهب المازني وابن جني. انظر المنصف ٢: ٢٨٣.
٣ م: عيّية.

<<  <   >  >>