للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: إن كلام الشيخ الشنقيطي في بيان عدم صحة الاستدلال بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه بالبقر في منى، كلام قوي ومتجه، وأن الصواب أن ذلك كان هدياً وليس أضحية.

ولكن يعكر على ترجيح الشيخ الشنقيطي لمذهب الإمام مالك ما رواه مسلم بإسناده عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: (ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة).

وفي رواية أخرى عند مسلم عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: أصلح هذا اللحم، قال: فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة) (١).

ففي هذا الحديث تصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى وهو حاج مسافر، ولعل المالكية يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بمنى لأنها كانت واجبة في حقه - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن الأدلة لم تنهض على إثبات ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى أن الحديث الوارد في اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأضحية على سبيل الوجوب ضعيف لا يثبت (٢).

وأما ما استدل به الحنفية من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر وكذا في منى.

فالجواب: أن لا دلالة في فعلهم على أن الأضحية غير مشروعة في حق المسافر والحاج، وإنما تدل على تركهم للأضحية في تلك الحال، لانشغالهم بالسفر أو النسك، وهذا بناءً على ذهابهم إلى أن الأضحية سنة، وليست واجبة فيجوز تركها كما قال سعيد بن المسيب لرجل: [ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن تركته فليس عليك] (٣).

وسبق أن ذكرت أنه صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس وجوبها.

وبهذا يظهر لي رجحان قول الجمهور أن الأضحية مشروعة ومسنونة في حق جميع الناس بدواً وحضراً في حال السفر وفي حال الإقامة وللحاج وغيره والله أعلم.


(١) صحيح مسلم مع شرح النووي ٥/ ١١٦.
(٢) انظر التلخيص الحبير ٣/ ١١٨.
(٣) مصنف عبد الرزاق ٤/ ٣٨٠.

<<  <   >  >>