بَابُ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ فِي الْخَوْفِ وَغَيْرِ الْخَوْفِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الْآيَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ فِي الْخَوْفِ وَغَيْرِ الْخَوْفِ مَعًا رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ لَا أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ أَنْ تَقْصُرُوا كَمَا كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ قَوْلَهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} رُخْصَةٌ لَا أَنَّ حَتْمًا مِنْ اللَّهِ أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسُّوهُنَّ، وَكَمَا كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إِلَى {جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} رُخْصَةٌ لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ وَلَا مِنْ بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَلَا جَمِيعًا وَلَا أَشْتَاتًا وَإِذَا كَانَ الْقَصْرُ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ رُخْصَةً مِنْ اللَّهِ كَانَ كَذَلِكَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ فَمَنْ قَصَرَ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ قَصَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ قَصَرَ فِي سَفَرٍ بِلَا خَوْفٍ قَصَرَ بِنَصِّ السُّنَّةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ «يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ صَدَقَةٌ مِنْ اللَّهِ وَالصَّدَقَةُ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَقْصُرُوا وَدَلَّتْ عَلَى أَنْ يَقْصُرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ إنْ شَاءَ الْمُسَافِرُ، وَأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ» (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ) أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ آمِنًا لَا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ».
(بَابُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ)
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ إلَّا أَنْ يَجْلِسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي مَثْنَى فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْقَطْعِ لِلصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكَ مُقِيمًا يَأْتَمَّ بِهِ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا فَيُتِمَّ قَالَ يُقَالُ لَهُ مَا قُلْت لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ وَلَا صَحَّحْت عَلَيْهِ قَوْلَك أَنْ يَقْصُرَ قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا كَانَتْ اثْنَتَانِ مِنْهَا نَافِلَةً أَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مُقِيمٍ؟ لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُكَ فِي قَوْلِكَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ مُقِيمٍ أَبَدًا إلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَلَطَ عِنْدَك نَافِلَةً بِفَرِيضَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّكَ تَقُولُ إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُخْتَلِفَةٌ هَهُنَا فِي أَكْبَرِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ عَدَدُ الصَّلَاةِ قَالَ: إنِّي أَقُولُ إذَا دَخَلَ خَلْفَ الْمُقِيمِ حَالَ فَرْضِهِ قُلْت بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا أَوْ هُوَ مُسَافِرٌ قَالَ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ قُلْت فَمِنْ أَيْنَ يَحُولُ فَرْضُهُ؟ قَالَ قُلْنَا إجْمَاعٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ أَتَمَّ قُلْت وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ لَمْ تَعْلَمْ فِي أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ إنْ شَاءَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً أَنْ يَدُلّكَ هَذَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُتِمَّ وَقُلْت لَهُ قُلْت فِيهِ قَوْلًا مُحَالًا قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْمُصَلِّي الْمُقِيمَ إذَا جَلَسَ فِي مَثْنَى مِنْ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَيَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا السَّلَامُ أَوْ الْكَلَامُ أَوْ الْعَمَلُ الَّذِي يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute