فَعَلُوا وَهَذَا أَوْلَى الْمَعَانِي عِنْدِي بِرِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ بِمَا وَصَفْت مِنْ الدَّلَائِلِ قَالَ: وَإِنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نَأْخُذَ بِرِوَايَةِ عَمَّارٍ فِي أَنَّ تَيَمُّمَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوتُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَأَنَّ هَذَا التَّيَمُّمَ أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ وَأَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ بِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ مِثْلُهُ.
بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ جَالِسًا وَمَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى الْقِيَامِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا صَلَّى النَّاسُ وَرَاءَهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِيَامِ قِيَامًا كَمَا يُصَلِّي هُوَ قَائِمًا وَيُصَلِّي مَنْ خَلْفَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ جُلُوسًا فَيُصَلِّي كُلٌّ فَرْضَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا قُلْت شَيْءٌ مَنْسُوخٌ وَنَاسِخٌ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مَنْسُوخٌ بِسُنَّتِهِ وَذَلِكَ أَنْ أَنَسًا رَوَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى جَالِسًا مِنْ سَقْطَةٍ مِنْ فَرَسٍ فِي مَرَضِهِ» وَعَائِشَةُ تَرْوِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يُوَافِقُ رِوَايَتَهُمَا وَأَمَرَ مَنْ خَلْفَهُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ بِالْجُلُوسِ إذَا صَلَّى جَالِسًا ثُمَّ تَرْوِي عَائِشَةُ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ - تَعَالَى -» وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا نَاسِخًا. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ وَجِعًا فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَوَجَدَ النَّبِيُّ خِفَّةً فَجَاءَ فَقَعَدَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَأَمَّ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ وَهُوَ قَائِمٌ».
وَذَكَر إبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي حَدِيثِ أَصْحَابِنَا مِثْلُ مَا فِي هَذَا وَأَنَّ ذَلِكَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ الْأَحَادِيثَ الْأُولَى إلَّا بِمَا يَجِبُ عَلَيْنَا مِنْ أَنْ نَصِيرَ إلَى النَّاسِخِ الْأُولَى كَانَتْ حَقًّا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ نُسِخَتْ فَكَانَ الْحَقُّ فِيمَا نَسَخَهَا وَهَكَذَا كُلُّ مَنْسُوخٍ يَكُونُ الْحَقُّ مَا لَمْ يُنْسَخْ فَإِذَا نُسِخَ كَانَ الْحَقُّ فِي نَاسِخِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الصِّنْفِ شَيْءٌ يَغْلَطُ فِيهِ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ إلَى الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يُشَيِّعُونَهُ وَهُوَ مَرِيضٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ جُلُوسًا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَيَقُولُ بِمَا عَلِمَ ثُمَّ لَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ بِمَا عَلِمَ وَرَوَى حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يَنْسَخُ الْعَمَلَ الَّذِي قَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَعَلِمَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى جَالِسًا وَأَمَرَ بِالْجُلُوسِ وَصَلَّى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ وَأَمَرَهُمَا بِالْجُلُوسِ» وَجُلُوسُ مَنْ خَلْفَهُمَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئًا يَنْسَخُهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِلْمَ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَعِلْمِ الْعَامَّةِ الَّذِي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute