للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَا نَأْخُذُ إنْ كَانَ ثَابِتًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَلَقَّى السِّلْعَةَ فَاشْتَرَاهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ تَلَقِّيهَا حِينَ يَشْتَرِي مِنْ الْبَدَوِيِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ الْمُسَاوِمِينَ مِنْ الْغَرَرِ لَهُ بِوَجْهِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَدِمَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُتَلَقِّي لِأَنَّهُ هُوَ الْغَارُّ لَا الْمَغْرُورُ.

بَابُ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ لِوَلَدِهِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يُحَدِّثَانِهِ عَنْ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْجِعْهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَقَدْ سَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أَلَيْسَ يَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا فِي الْبِرِّ إلَيْك سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ فَارْجِعْهُ». حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إلَّا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ ثَابِتٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِي أَنْ لَا يُفَضِّلَ رَجُلٌ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي نِحَلٍ فَيَعْرِضُ فِي قَلْبِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ بِرِّهِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ قُلُوبِ الْآدَمِيِّينَ جُبِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَنْ بَعْضِ الْبِرِّ إذَا أُوثِرَ عَلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ نَحْلَ الْوَالِدِ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ كَانَ يُقَالُ إعْطَاؤُك إيَّاهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِك الْأَوَّلِ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يُقَالَ ارْجِعْهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْجِعْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْوَالِدِ رَدَّ مَا أَعْطَى الْوَلَدَ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِارْتِجَاعِهِ مِنْهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ " أَشْهِدْ غَيْرِي " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَسَوَاءٌ أَدَانَ الْوَلَدُ أَوْ تَزَوَّجَ رَغْبَةً فِيمَا أَعْطَاهُ أَبُوهُ أَوْ لَمْ يُدَنْ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لَهُ مَتَى شَاءَ قَالَ: وَقَدْ حَمِدَ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَمَرَ بِهِمَا فَقَالَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} وَقَالَ {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا} وَقَالَ {وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ} وَقَالَ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} وَقَالَ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فَإِذَا جَازَ هَذَا لِلْأَجْنَبِيِّينَ وَذَوِي الْقُرْبَى فَلَا أَقْرَبَ مِنْ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْطَى مَالَهُ ذَا قَرَابَتِهِ غَيْرَ وَلَدِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ مَنَعَهُ وَلَدَهُ وَقَطَعَ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ مَحْمُودًا عَلَى هَذَا كَانَ مَحْمُودًا أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ وَمَنْعَ بَعْضِهِمْ مَا أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ مَنْعِهِمْ كُلِّهِمْ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ لِئَلَّا يُقَصِّرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي بِرِّهِ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ تُنَفِّسُ بَعْضُهَا بَعْضًا مَا لَمْ تُنَفِّسْ الْعِبَادَةُ قَالَ الرَّبِيعُ " يُرِيدُ الْبُعَدَاءَ وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ بِنَخْلٍ وَفَضَّلَ عُمَرُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَزَعَمْت أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِمَنْ يَسْتَثِيبُهُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَسْتَثِيبُهُ وَقُبِضَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>