للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذَلِكَ بَيِّنًا فِي مَسْأَلَتِهِ إذْ قَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْت وَلَمْ يَقْبَلْ النَّبِيُّ مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ إذْ سَأَلَ غَيْرَهُ، قَالَ: أَجَلْ، قُلْت: وَلَمَّا سَأَلَ غَيْرَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ رَدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ فِي مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِلَّ النَّبِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيَ النَّبِيُّ فَأَجَابَهُ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِمْ جَوَابُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا أَخْبَرُوهُ فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، قَالَ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ تَنَاهَتْ فَرَائِضُهُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت هَذَا فَرْقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُ هَذَا فَرْقٌ بَيِّنٌ لَا يَرُدُّهُ عَالِمٌ لِبَيَانِهِ وَوُضُوحِهِ فَقَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِكُمْ مَنْ قَالَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّجُلُ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُفْسِدْ صَلَاتَهُ، قَالَ فَقُلْت لَهُ: إنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا لَا مَا قَالَ غَيْرُنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ قَدْ كَلَّمْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِك فَمَا احْتَجَّ بِهَذَا وَلَقَدْ قَالَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا فَقُلْت لَهُ قَدْ أَعْلَمْتُك أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى وَلَا حُجَّةَ لَك عَلَيْنَا بِقَوْلِ غَيْرِنَا قَالَ: أَجَلْ، قُلْت فَدَعْ مَا لَا حُجَّةَ لَك فِيهِ وَقُلْت لَهُ: قَدْ أَخْطَأْت فِي خِلَافِكَ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ ثُبُوتِهِ وَظَلَمْت نَفْسَك بِأَنَّك زَعَمْت أَنَّا وَمَنْ قَالَ بِهِ نَحَلَ الْكَلَامَ وَالْجِمَاعَ وَالْغِنَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَمَا أَحْلَلْنَا وَلَا هُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا قَطُّ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الصَّلَاةَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ السَّلَامَ زَعَمْت فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَلَامٌ، وَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ بَنَى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هَذَا كَفَى بِهَا عَلَيْك حُجَّةٌ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَيْبِكُمْ خِلَافَ الْحَدِيثِ وَكَثْرَةِ خِلَافِكُمْ لَهُ.

بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ قَتْلُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَقَامَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ اللَّهُمَّ افْعَلْ فَذَكَرَ دُعَاءً طَوِيلًا ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ» قَالَ وَحُفِظَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ النَّبِيِّ الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَحُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى أَنَسٌ «عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَنَتَ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ جُمْلَةً» وَمَنْ رَوَى مِثْلَ حَدِيثِهِ رَوَى أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدَهُ ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ فَمَحْفُوظٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ تَرَكَهُ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَنْ مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَمَّا مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ تَرْكِ الْقُنُوتِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَادَ فَأَمَّا الَّذِي أَرَى بِالدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ دُونَ الصُّبْحِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَأَقَرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ تَعْنِي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ دُونَ الْمَغْرِب، وَتَرْكُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ سِوَى الصُّبْحِ لَا يُقَالُ لَهُ نَاسِخٌ إنَّمَا يُقَالُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ مَا اخْتَلَفَ فَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَمُبَاحٌ أَنْ يَقْنُتَ وَأَنْ يَدَعَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَقْنُتْ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَلَمْ يَقْنُتْ بَعْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دُعَاءٌ مُبَاحٌ كَالدُّعَاءِ الْمُبَاحِ فِي الصَّلَاةِ لَا نَاسِخَ وَلَا مَنْسُوخَ.

<<  <   >  >>