للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَا يُثْبِتُ بَعْضُهَا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَوَكَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِهِ عَنْهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُقْضَى فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَمَّنْ بَلَغَ أَنْ لَا يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَسَنَّ أَنْ يُقْضَى نَذْرُ الْحَجِّ عَمَّنْ نَذَرَهُ وَكَانَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَجِّ عَنْ مَنْ وَجَدَ إلَيْهِ السَّبِيلَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّبِيلِ الْمَرْكَبَ وَالزَّادَ وَفِي هَذَا نَفَقَةٌ عَلَى الْمَالِ وَسَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ مِنْ الْحَجِّ بَدَلًا غَيْرَ الْحَجِّ وَلَمْ يُسَمِّ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا كَانَ نَذْرُ أُمِّ سَعْدٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَذْرَ الْحَجِّ فَأَمَرَهُ بِقَضَائِهِ عَنْهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ قَضَاءَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ نَذْرَ صَدَقَةٍ كَانَ كَذَلِكَ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ (قَالَ): فَأَمَّا مَنْ نَذَرَ صِيَامًا أَوْ صَلَاةً ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُصَلَّى عَنْهُ وَلَا يُكَفَّرُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا فَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؟ قُلْت: قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهَا: فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْضَى عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ»، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجِّ بَدَلًا غَيْرَ الْحَجِّ وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ، فَقَالَ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلَى قَوْلِهِ " مَسَاكِينَ " قِيلَ يُطِيقُونَهُ كَانُوا يُطِيقُونَهُ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْهُ فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تَقْضِيَ الْحَائِضُ وَلَا يُقْضَى عَنْهَا مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ» وَقَالَ عَوَامُّ الْمُفْتِينَ وَلَا الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ كَفَّارَةً وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ عَنْ صَلَاةٍ كَفَّارَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا أَنْ يَقُومَ بِهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَكَانَ عَمَلُ كُلِّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ وَكَانَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ عَمِلَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ لَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ وَكَانَ يُعْمَلُ الْحَجُّ عَنْ الرَّجُلِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ فِيهِ نَفَقَةً مِنْ الْمَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قِيلَ أَفَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَأْخُذُ بِهِ؟ قِيلَ حَدَّثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ» مَعَ حِفْظِ الزُّهْرِيِّ وَطُولِ مُجَالَسَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمَّا جَاءَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْرِ مَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا فَإِنْ قِيلَ أَتَعْرِفُ الَّذِي جَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يُغَلِّطُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ: رَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ إنَّ الزُّبَيْرَ حَلَّ مِنْ مُتْعَتِهِ الْحَجَّ فَرَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَتْ عَلَيْنَا كَبِيرُ مُؤْنَةٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ إذَا اخْتَلَفَ أَوْ ظُنَّ مُخْتَلِفًا لِمَا وَصَفْت وَلَا مُؤْنَةَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالنَّصَفَةِ فِي الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ، وَقَدْ عَارَضَ صِنْفَانِ مِنْ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ بِحَالِ بَعْضِ مُحَدِّثِيهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي غَلِطَ صَاحِبُهُ بِدَلَالَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فَسَأَلَنِي مِنْهُمْ طَائِفَةٌ تُبْطِلُ الْحَدِيثَ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِضُرٍّ بَيِّنٍ أَحَدُهُمَا الْجَهَالَةُ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ وَالْآخَرُ بِأَنْ يُوجَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ فَيَقُولُونَ إذَا جَازَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ جَازَ فِي كُلِّهِ وَصِرْتُمْ فِي مَعْنَانَا فَقُلْت أَرَأَيْت الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ وَمَجْرُوحٌ يَعْرِفُهُ وَرَجُلٌ يَجْهَلُ جُرْحَهُ وَعَدْلَهُ أَلَيْسَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْعَدْلِ وَيَتْرُكُ شَهَادَةَ الْمَجْرُوحِ وَيَقْفُ شَهَادَةَ

<<  <   >  >>