للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُفْتِينَ إذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ لَا يُبَاعَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِالْبَيْعِ لَا يَجْهَلُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا مَعْنَيَيْنِ كَانَ أَوْلَاهُمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ مَعَ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ كَمَا وَصَفْت أَنْ لَمْ تُبَعْ إلَّا بِرِضَاهَا؟ قَالَ أَجَلْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: فَمَا مَعْنَى إبْطَالِ النَّبِيِّ شَرْطَ عَائِشَةَ لِأَهْلِ بَرِيرَةَ؟ قُلْت إنَّا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَقَالَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} الْآيَةُ وَأَنَّهُ نَسَبَهُمْ إلَى مَوَالِيهِمْ كَمَا نَسَبَهُمْ إلَى آبَائِهِمْ وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَوَّلُوا عَنْ آبَائِهِمْ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَوَّلُوا عَنْ مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِيهِمْ الَّذِينَ وَلُوا مِنَّتَهُمْ وَقَالَ اللَّهُ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ»، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» فَلَمَّا بَلَغَهُمْ هَذَا كَانَ مَنْ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَتْ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَآدَابٌ وَكَانَ مِنْ آدَابِ الْعَاصِينَ أَنْ تُعَطَّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطُهُمْ لِيَنْكُلُوا عَنْ مِثْلِهَا وَيَنْكُلَ بِهَا غَيْرُهُمْ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدَبِ.

بَابُ الضَّحَايَا

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ».

قَالَ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ «أَنَّ عُوَيْمِرٌ بْنَ أَشْقَرَ ذَبَحَ أُضْحِيَّةً قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى» قَالَ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ لَا أَجِدُ إلَّا جَذَعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ بِضَحِيَّةٍ تُجْزِيهِ فَيَكُونُ فِي عِدَادِ مَنْ ضَحَّى، قَالَ وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا وَهِيَ سُنَّةٌ يَجِبُ لُزُومُهَا وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لَا عَلَى إيجَابِهَا فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ السُّنَّةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَوْ كَانَتْ الضَّحِيَّةُ وَاجِبَةً أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ وَنَأْمُرُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ اتِّبَاعًا وَاخْتِيَارًا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَا وَاجِبٌ؟ قِيلَ لَهُ رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُبَيٍّ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُحْرِمُ بِالْبَعْثَةِ بِهَدْيِهِ يَقُولُ الْبَعْثَةُ بِالْهَدْيِ أَكْبَرُ مِنْ إرَادَةِ الضَّحِيَّةِ.

بَابُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي يُوجَدُ عَلَى مَا يُوجَدُ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَمَسْحِهِمَا

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): نَحْنُ نَقْرَأُ آيَةَ الْوُضُوءِ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} بِنَصْبِ أَرْجُلِكُمْ عَلَى مَعْنَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا

<<  <   >  >>