وَصَفْت فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حَدَّ الزِّنَا لِلْبِكْرَيْنِ وَالثَّيِّبَيْنِ وَأَنَّ مِنْ حَدِّ الْبِكْرَيْنِ النَّفْيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ ضَرْبِ مِائَةٍ وَنُسِخَ الْجَلْدُ عَنْ الثَّيِّبَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا الرَّجْمَ فَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَرَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَاعِزٍ وَلَمْ يَجْلِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَمَاعِزٍ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» قِيلَ إذَا كَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا " الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " كَانَ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا أَوَّلَ حَدٍّ حُدَّ بِهِ الزَّانِيَانِ فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ فَكُلُّ شَيْءٍ جَدَّ بَعْدُ يُخَالِفُهُ فَالْعِلْمُ يُحِيطُ بِأَنَّهُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي بَعْدُ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ وَقَدْ أَثْبَتْنَا هَذَا، وَاَلَّذِي نَسَخَهُ فِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَجَمَهَا أُنَيْسٌ مَعَ حَدِيثِ مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ الْحُدُودُ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحْدُودِينَ مَا أَتَوْا الْحُدُودَ وَإِنْ كَثُرَ إتْيَانُهُمْ لَهَا لِأَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْوَالِ جَانُونَ مَا حُدُّوا فِيهِ وَهُمْ زُنَاةٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَبَعْدَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ وَكَذَلِكَ الْقَذَفَةُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ أَنْ يُجْلَدُوا ثَمَانِينَ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْحُدُودِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا ثُمَّ قَالَ فَلْيَبِعْهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ فِي الشَّارِبِ يُجْلَدُ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ يُقْتَلُ ثُمَّ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ جَلَدَ الشَّارِبَ الْعَدَدَ الَّذِي قَالَ يُقْتَلُ بَعْدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ وَصَارَتْ رُخْصَةً وَالْقَتْلُ عَمَّنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي شَيْءٍ أَرْبَعًا فَأُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ مَنْسُوخٌ بِمَا وَصَفْت، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَمَةِ بَعْدَ زِنَاهَا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا.
بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْت «ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نَخْتَصِيَ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ بِالشَّيْءِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِرْخَاصَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلَمْ يُوَقِّتْ شَيْئًا يَدُلُّ أَهُوَ قَبْلَ خَيْبَرَ أَمْ بَعْدَهَا فَأَشْبَهَ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ الْمُتْعَةِ أَنْ يَكُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَاسِخًا فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ يَثْبُتُ فَهُوَ يُبَيِّنُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَحَلَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ثُمَّ قَالَ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بَيَانُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا رَوَى إحْلَالَ الْمُتْعَةِ سَقَطَ تَحْلِيلُهَا بِدَلَائِلِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ حَيْثُ سَأَلْنَا عَنْهُ.
بَابُ الْخِلَافِ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَخَالَفَنَا مُخَالِفُونَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَمْتَعُوا مِنْ يَهُودِيَّاتٍ فِي دَارِ الشِّرْكِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ لَا عَلَى تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَمْتَعُوا عَامَ الْفَتْحِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ الْحَدِيثُ عَامَ الْفَتْحِ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَلَى الْأَبَدِ، أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ بِالْإِرْخَاصِ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالنَّهْيُ عِنْدَنَا تَحْرِيمٌ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَا تَحْرِيمٌ، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ دَلَالَةٌ عَلَى نَاسِخٍ وَلَا مَنْسُوخٍ الْإِرْخَاصُ فِيهَا أَوْلَى أَمْ النَّهْيُ عَنْهَا؟ قُلْنَا بَلْ النَّهْيُ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْلَى قَالَ فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute