الشُّفْعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لَلشَّرِيكِ وَهُمَا إذَا اشْتَرَكَا فِي طَرِيقٍ دُونَ الدَّارِ، وَإِنْ اقْتَسَمَا الدَّارَ شَرِيكَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَيُقَالُ لَهُ الشَّرِيكَانِ فِي الدَّارِ أَوْ الطَّرِيقِ دُونَ الدَّارِ فَإِنْ قَالَ فِي الطَّرِيقِ دُونَ الدَّارِ قِيلَ لَهُ فَلِمَ جَعَلْت الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي لَيْسَا فِيهَا بِشَرِيكَيْنِ بِالشِّرْكِ فِي الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ غَيْرُ الدَّارِ أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ دَارَاهُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ وَضَمَّ فِي الشِّرَاءِ مَعَهَا دَارًا أُخْرَى غَيْرَهَا لَا شِرْكَ فِيهَا وَلَا طَرِيقَهَا أَتَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الشِّرْكِ؟ قَالَ: بَلْ فِي الشِّرْكِ دُونَ الدَّارِ الَّتِي ضُمَّتْ مَعَ الشِّرْكِ قُلْت وَلَا تُجْعَلُ فِيهَا شُفْعَةٌ إذَا جَمَعَتْهُمَا الصَّفْقَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا شُفْعَةٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْت فَكَذَلِكَ يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ إنْ بِيعَتْ الطَّرِيقُ وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَسْمُهُ فَفِيهَا شُفْعَةٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ مِنْ الدَّارِ قَالَ: فَإِنْ قَالَ فَإِنَّمَا ذَهَبْت فِيهِ إلَى الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قِيلَ سَمِعْنَا بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ نَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مُفَسَّرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» وَأَبُو سَلَمَةَ مِنْ الْحُفَّاظِ.
وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ جَابِرٍ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي سَلَمَةَ وَيُخَالِفُ مَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِيهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ الْمُقَاسِمِ مَا وَصَفْت جُمْلَتَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَكَانَ أَوْلَى الْأَحَادِيثِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ أَثْبَتُهَا إسْنَادًا وَأَبْيَنُهَا لَفْظًا عَنْ النَّبِيِّ وَأَعْرَفُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقَاسِمِ وَغَيْرِ الْمُقَاسِمِ.
بَابٌ فِي بُكَاءِ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعْت عَائِشَةَ وَذَكَرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ إنَّمَا «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى يَهُودِيَّةٍ وَهِيَ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بِمَكَّةَ فَجِئْنَا نَشْهَدُهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: إنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا جَلَسْت إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إلَيَّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: صَدَرْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إذَا بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ؟ فَذَهَبْت فَإِذَا صُهَيْبٌ قَالَ اُدْعُهُ فَرَجَعْت إلَى صُهَيْبٍ فَقُلْت: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ سَمِعْت صُهَيْبًا يَبْكِي وَيَقُولُ: وَا أَخِيَاه وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا صُهَيْبُ تَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»؟ قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْت ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ لَا وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute