للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهِ أَوْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ سَمَاعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا دُونَ عَامٍّ وَلَا يَجْعَلُ الْحَدِيثَ الْعَامَّ الْمُخَرَّجَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ خَاصًّا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ مِمَّنْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَيَسْمَعْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنْ فِيهِمْ جُمْلَةً أَنْ لَا يَكُونُوا عَلِمُوهُ وَلَا بِقَوْلِ خَاصَّةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمْ جَهْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ فِيمَنْ عَلِمَهُ وَسَمِعَهُ وَلَا فِي الْعَامَّةِ جَهْلُ مَا سَمِعَ وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ زِيَادَةً لَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةً بِهَا عَلَيْهِ.

وَكُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا اُسْتُعْمِلَا مَعًا وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ كَمَا وَصَفْتُ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.

وَفِي الْحَدِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ كَمَا وَصَفْت فِي الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَدِيثَانِ إلَّا الِاخْتِلَافَ كَمَا اخْتَلَفَتْ الْقِبْلَةُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ كَانَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ بِقَوْلٍ أَوْ بِوَقْتٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْآخِرَ هُوَ النَّاسِخُ أَوْ بِقَوْلِ مَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ أَوْ الْعَامَّةِ كَمَا وَصَفْت أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يُبَيَّنُ فِيهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي كِتَابِي وَمَا يُنْسَبُ إلَى الِاخْتِلَافِ مِنْ الْأَحَادِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَيُصَارُ إلَى النَّاسِخِ دُونَ الْمَنْسُوخِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُبَاحَانِ كَاخْتِلَافِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَكِلَاهُمَا مُبَاحٌ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ أَشْبَهَ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَشْبَهَ بِمَعْنَى سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا سِوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ أَشْبَهَ بِالْقِيَاسِ فَأَيُّ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَ هَذَا فَهُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدَنَا أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا عَدَّهُ بَعْضُ مَنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ مُخْتَلِفًا بِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهِ اخْتَلَفَ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْفِعْلُ فِيهِ إلَّا بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْفِعْلُ فِيهِ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا جَاءَ جُمْلَةً وَآخَرُ مُفَسَّرًا، وَإِذَا جَعَلْت الْجُمْلَةَ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ عَلَيْهِ رَوَيْت بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا إنَّمَا هَذَا مِمَّا وَصَفْت مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّهَا تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ مِنْهُ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ وَهَذَانِ يُسْتَعْمَلَانِ مَعًا وَقَدْ أَوْضَحْت مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّه وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ لَا يُقْبَلُ إلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْ الشُّهُودِ إلَّا مَنْ عُرِفَ عَدْلُهُ، فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولًا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَأْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ.

بَابُ الِاخْتِلَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً مَرَّةً». أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ «رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِينِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفٌ مُطْلَقًا وَلَكِنَّ الْفِعْلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا اخْتِلَافَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَقَلُّ مَا يَجْزِي مِنْ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَأَكْمَلُ مَا يَكُونُ مِنْ الْوُضُوءِ ثَلَاثًا.

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ بِلَالٍ «أَنَّ رَسُولَ

<<  <   >  >>