كَانَ ثَابِتًا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمَنْسُوخَ حَتَّى نَعْلَمَ الْآخَرَ وَلَسْنَا نَعْلَمُ الْآخَرَ أَوْ يُرَدُّ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَعَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَصَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ يَضَعُهَا فِي السُّجُودِ وَيَرْفَعُهَا فِي الْقِيَامِ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَصَلَّى إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَرُدُّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَإِنْ أَخَذْت فِيهِ أَشْيَاءَ فَإِنْ قِيلَ فَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ هَذَا؟ قِيلَ قَضَاءُ اللَّهِ {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عَمَلُ رَجُلٍ عَمَلَ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ سَعْيُ كُلٍّ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُرُورُ رَجُلٍ يَقْطَعُ صَلَاةَ غَيْرِهِ.
(بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ)
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَإِذَا خَرَجْنَ فَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» قَالَ الرَّبِيعُ يَعْنِي لَا يَتَطَيَّبْنَ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا حَدِيثٌ كَلَّمَنَا فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ بِكَلَامٍ قَدْ جَهَدْت عَلَى تَقَصِّي مَا كَلَّمُونِي فِيهِ فَكَانَ مِمَّا قَالُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ظَاهِرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ إمَاءِ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَالنَّهْيُ عِنْدَك عَنْ النَّبِيِّ تَحْرِيمٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّحْرِيمِ وَهُوَ عَامٌّ عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ وَالْعَامُّ عِنْدَك عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ النَّبِيِّ أَوْ عَنْ جَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ جَهْلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَاصٌّ فَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ أَهُوَ عَامٌّ فَيَكُونُ تَحْرِيمَ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدٌ إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِحَالٍ أَوْ خَاصٍّ فَيَكُونُ لَهُمْ مَنْعُهُنَّ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَاحِدًا مِنْ مَعْنَيَيْنِ؟ قُلْت: بَلْ خَاصٌّ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ عِنْدَك؟ قُلْت الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ بِمَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا قَالَ فَاذْكُرْ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَا وَصَفْت قُلْت. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ يَقُولُ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اكْتَتَبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّ امْرَأَتِي انْطَلَقَتْ حَاجَّةً قَالَ فَانْطَلِقْ فَاحْجُجْ بِامْرَأَتِك» قَالَ فَقُلْت أَفَتَرَى أَنَّ فَرْضًا عَلَى قَيِّمِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا أَكْبَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ لِأَنَّ أَكْبَرَهَا أَوْجَبُهَا وَمِنْ كُلِّ سَفَرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قُلْت فَمِنْ أَيْنَ قُلْته قَالَ قُلْته بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّ سَفَرَهَا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مَعْصِيَةٌ وَفَرَضَ اللَّهُ أَنْ تُمْنَعَ الْمَعْصِيَةُ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ، وَالْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تُمْنَعَ أَكْبَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ قَالَ مَا أَجِدُ مِنْ هَذَا بُدًّا، وَقَالَ غَيْرُهُ أَنَا أُكَلِّمُك بِغَيْرِ مَا كَلَّمَك بِهِ فَأَقُولُ لَيْسَ لِقَيِّمِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا أَنْ تُسَافِرَ إلَى مَسْجِدٍ قُلْت وَلَا يَمْنَعُهَا الْوَالِي وَلَا زَوْجُهَا وَلَا وَلِيُّهَا مَنْ كَانَ قَالَ لَا قُلْت فَقَدْ أَمَرْت بِأَنْ لَا تُمْنَعَ الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى ذِي مَحْرَمِهَا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ السَّفَرَ مَعَهَا مَا يُوجِبُ عَلَى الْوَالِي مَنْعَهَا مِنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ قُلْت فَإِنَّ قَيِّمَهَا أَخَاهَا وَهُوَ مُوسِرٌ عَلَى مَنْ النَّفَقَةُ فِي السَّفَرِ أَعْلَيْهَا أَوْ عَلَى أَخِيهَا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَعَلَيْهَا نَفَقَتُهَا قُلْت فَقَدْ جَعَلْت لَهَا أَنْ تُكَلِّفَهُ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُوسِرَةً وَلَا مُعْسِرَةً صَحِيحَةً وَتُكَلِّفُهَا الْمَسْأَلَةَ فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَلْزَمُ لَك أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُعْسِرَةً صَحِيحَةً شَرِيفَةً تَسْتَحْيِي مِنْ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ أَوْ يُكَلَّفُ فِي سَفَرٍ خَمْسمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ فَإِنْ قُلْت فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا قُلْت فَأَقُولُ لَك فَكَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا؟ قَالَ بَلْ لَا أُنْفِقُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا إلَّا مَا لَا صَلَاحَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَيْفَ أُنْفِقُ عَلَى آخَرَ مِنْ مَالِهَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute