الشَّافِعِيُّ) وَابْنُ أَبِي يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى الْحِمَارَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صَيْدٌ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لَهُ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ صِيدَ لَهُ كَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ حِينَئِذٍ لَهُ " إلَّا أَنَّا حُرُمٌ " وَبِهَذَا قُلْنَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ قَالَ وَأَمَرَ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَأْكُلُوا مَا صَادَهُ رَفِيقُهُمْ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لَهُمْ وَلَا بِأَمْرِهِمْ فَحَلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ حَدَّثَ أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ عَرَضَ فِي نَفْسِ امْرِئٍ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - مَنَعَ الْمُحْرِمَ قَتْلَ الصَّيْدِ فَقَالَ {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الْآيَةَ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} فَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِيدُوا صَيْدَ الْبَحْرِ، وَأَنْ يَأْكُلُوهُ إنْ لَمْ يَصِيدُوهُ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَعَامَهُ ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَ صَيْدَ الْبَحْرِ وَيَأْكُلَ طَعَامَهُ وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَقْتُلُوا صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَأَشْبَهَ ذَلِكَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ صَيْدَ الْبَرِّ فِي حَالَيْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ وَأُمِرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَفْدِيَهُ وَأَنْ لَا يَأْكُلَهُ إذَا أُمِرَ بِصَيْدِهِ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَوْلَى الْمَعَانِي بِنَا أَنْ لَا تَكُونَ الْأَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ تَصْدِيقَ خَبَرِ أَهْلِ الصِّدْقِ مَا أَمْكَنَ تَصْدِيقُهُ وَخَاصُّ السُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ خَبَرُ خَاصَّةٍ لَا عَامَّةٍ.
بَابُ خِطْبَةِ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ قَالَ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت فَأَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْته، فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّا حَفِظْت جُمْلَةٌ عَامَّةٌ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي حَالٍ يَخْطُبُ هُوَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّ نَهْيَهُ عَنْهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيُّ حَالٍ نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ فِيهَا؟ قِيلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّ نَهْيَهُ عَنْ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ وَكَانَتْ ثَيِّبًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بِلَا رِضَاهَا فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا زَوَّجَ قَبْلَ إذْنِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ بَعْدَ رِضَاهَا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَتِلْكَ الْحَالُ الَّتِي إذَا زَوَّجَهَا فِيهَا الْوَلِيُّ ثَبَتَ عَلَيْهَا فِيهَا النِّكَاحُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. غَيْرُ هَذَا لِأَنَّهُ لَا حَالَيْنِ لَهَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فِي النِّكَاحِ فِيهِمَا غَيْرُهُمَا وَفَاطِمَةُ لَمْ تُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ إذْنَهَا فِي أَنْ تُزَوَّجَ مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَلَا أَحْسَبُهُمَا خَطَبَاهَا إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute