غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُنَّ كُنَّ عَلَى الْخَيْرِ بِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَحْرَصُ وَبِهِ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِنَّ وَأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ أَنْ يَأْمُرَهُنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهِ فِيهِنَّ وَمَا لَهُنَّ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِنَّ كَمَا أَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَاتِ وَالسُّنَنِ وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُ بِالْحِجَابِ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ بِإِتْيَانِ جُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَلَوْ كَانَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ أَمَرُوهُنَّ بِهِ وَأَذِنُوا لَهُنَّ إلَيْهِ بَلْ قَدْ رُوِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي حُجْرَتِهَا خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَسَاجِدِ».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَرُوِيَ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ لِتَشْهَدَ الْعِشَاءَ فَلَا يَمْنَعْهَا» فَاحْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِنَّ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا كَانَ مَا وَصَفْت مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعَامَّةُ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ شُهُودُ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ كَمَا هِيَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَنَّ لِوَلِيِّهَا حَبْسُهَا كَانَ هَذَا اخْتِيَارًا لَا فَرْضًا عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمَرْأَةِ لِلْعِشَاءِ. فَقَالَ مَا عَلِمَتْ أَحَدًا مِنْ الْمُفْتِينَ يُخَالِفُ فِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ الْإِذْنُ لِامْرَأَتِهِ إلَى جُمُعَةٍ وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا إلَى حَجٍّ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهَا فِي عُمُرِهَا فَقُلْت فَفِي أَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُفْتُونَ إنْ كَانَ كَمَا قُلْت دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَجْهَلُوا مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَ مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ مُحْتَمِلًا مَا قَالُوا. قَالَ وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْحَجِّ قُلْت أَمَّا هَذَا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا الْفَرِيضَةَ فَقَدْ مَنَعَهَا مَسَاجِدَ اللَّهِ كُلَّهَا فَأَبَاحَ لَهُ خِلَافَ الْحَدِيثِ فَإِذَا قُلْت لَا يَمْنَعُهَا الْفَرِيضَةَ مِنْ الْحَجِّ فَلَمْ أُخَالِفْ الْحَدِيثَ بَلْ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ كُلَّهَا» وَفِيهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُنَّ بَعْضَهَا قَالَ: وَأُجْبِرُ زَوْجَ امْرَأَةٍ وَوَلِيَّهَا مَنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَدَعَهَا وَالْفَرِيضَةَ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَى مَا تَطَوَّعَتْ بِهِ مِنْهُمَا فَإِذَا أَذِنَ لَهَا إلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَمْنَعْهَا مَسَاجِدَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْفَرْضِ إلَى مَسْجِدِ اللَّهِ الْحَرَامِ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ أَنْ «يُتْرَكَ النِّسَاءُ إلَى الْعِيدَيْنِ» فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا قُلْنَا بِهِ.
بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} الْآيَةُ قَالَ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} قَالَ فَكَانَ الْوُضُوءُ عَامًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ الْجَنْبَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ دَلِيلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا أَنْ تَدُلُّ السُّنَّةُ عَلَى غُسْلٍ وَاجِبٍ فَتُوجِبُهُ بِالسُّنَّةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ بِهَا وَدَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنْ يَجِبَ غُسْلُ غَيْرِ الْجَنَابَةِ الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ، قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ فَذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا وَلِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَاحْتَمَلَ وَاجِبٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَوَاجِبٌ فِي الْأَخْلَاقِ وَوَاجِبٌ فِي الِاخْتِيَارِ، وَفِي النَّظَافَةِ وَنَفَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَجَبَ حَقُّك عَلَيَّ إذْ رَأَيْتنِي مَوْضِعًا لِحَاجَتِك وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى مَعْنَيَيْهِ لِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي عُمُومِ الْوُضُوءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute