بَابُ الْخِلَافِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِكَافِرٍ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ إذَا قَتَلَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ قَتَلْته بِهِ وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ الْكَافِرَ لَمْ أَقْتُلْهُ بِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَاوِيلَ جَمَعْتهَا كُلَّهَا جِمَاعُهَا أَنْ قُلْت لِمَنْ قُلْت مِنْهُمْ مَا حُجَّتُك فِي أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ دُونَ الْمُسْتَأْمَنِ؟ قَالَ: رَوَى رَبِيعَةُ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَالِفُ هَذَا أَيَكُونُ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُ عِنْدَك؟ قَالَ: إنَّهُ لَمُرْسَلٌ وَمَا نُثْبِتُ الْمُرْسَلَ قُلْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا كَيْفَ اسْتَجَزْتَ أَنْ ادَّعَيْت فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَجَعَلْته عَلَى بَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ؟ وَقُلْت لِمَنْ قُلْت: مِنْهُمْ أَثَابِتٌ حَدِيثُنَا قَالَ: نَعَمْ حَدِيثُ عَلِيٍّ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ لَهُ مَعْنًى غَيْرَ الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ قُلْت: وَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ قُلْت أَيَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّهُ يُقَالُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ أُمِرَ الْمُؤْمِنُ بِقَتْلِهِ؟ قَالَ: أَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا قُلْت: أَفَتَجِدُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي؟ فَقَالَ أَجِدُهُ فِي غَيْرِهِ قُلْت وَأَيْنَ ذَلِكَ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي الْحَدِيثِ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» قُلْت أَيَثْبُتُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِنْ كَانَ حَدَّثَهُ أَيَلْزَمُنَا تَأْوِيلُك لَوْ تَأَوَّلْته بِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ؟ قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدٍ؟ قُلْت لَا يَلْزَمُنَا مِنْهُ شَيْءٌ فَنَحْتَاجُ إلَى مَعْنَاهُ وَلَوْ لَزِمَ مَا كَانَ لَك فِيهِ مِمَّا ذَهَبْت إلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ: كَيْفَ قُلْت لَوْ قِيلَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَنَى غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ إلَّا ذُو عَهْدٍ إمَّا عَهْدٌ بِجِزْيَةٍ وَإِمَّا عَهْدٌ بِأَمَانٍ قَالَ: أَجَلْ قُلْت: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ وَكِلَاهُمَا حَرَامُ الدَّمِ وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ دِيَتُهُ وَكَفَّارَةٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمْرٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ قَالَ: فَمَا مَعْنَاهُ؟ قُلْت: لَوْ كَانَ ثَابِتًا فَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَهْدِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ قَالَ: فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو عَهْدٍ لَوْ قَتَلَهُ قُلْت: أَفَبِدَلَالَةٍ؟ فَمَا عَلِمْته جَاءَ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّمَا قُلْنَا قَوْلُنَا بِالْقُرْآنِ قُلْنَا فَاذْكُرْهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ ظُلْمًا أَنْ يَقْتُلَ قَاتَلَهُ قُلْنَا: فَلَا تَعْدُو وَهَذِهِ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً عَلَى جَمِيعِ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ تَكُونَ عَلَى مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا مِمَّنْ فِيهِ الْقَوَدُ مِمَّنْ قَتَلَهُ وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا خَاصٌّ إلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مَا تَعْدُو أَحَدَ هَذَيْنِ فَقُلْت: أَعَنْ أَيِّهِمَا شِئْت قَالَ: هِيَ مُطْلَقَةٌ قُلْت: أَفَرَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ عَبْدَهُ وَلِلْعَبْدِ ابْنٌ حُرٌّ أَيَكُونُ مِمَّنْ قُتِلَ مَظْلُومًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ ابْنَهُ وَلِابْنِهِ ابْنٌ بَالِغٌ أَيَكُونُ الِابْنُ الْمَقْتُولُ مِمَّنْ قُتِلَ مَظْلُومًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ قَوَدٌ؟ قَالَ: لَا قُلْت وَلِمَ وَأَنْتَ تَقْتُلُ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ الْكَافِرِ؟ قَالَ: أَمَّا الرَّجُلُ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ وَلِيُّ دَمِ عَبْدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ هُوَ وَلِيُّ دَمِ ابْنِهِ أَوْ لَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ فَقِيلَ أَفَرَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَلَيْسَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيٌّ غَيْرُهُ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ يَلْقَاهُ بَعْدَ عَشَرَةِ آبَاءٍ أَوْ أَكْثَرَ أَيَكُونُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَقْتُولِ مِنْهُ بِمَا وَصَفْت؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: وَهَذَا الْوَلِيُّ؟ قَالَ: لَا وِلَايَةَ لِقَاتِلٍ وَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ بِحَالٍ؟ قُلْت: فَمَا مَنَعَك مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ وَفِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ؟ قَالَ: أَمَّا قَتْلُهُ ابْنَهُ فَبِالْحَدِيثِ قِيلَ آلْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute