للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد الوقت المعين كالذي مر في قوله:

والوقت ما قدره من شرعا … من زمن مضيقا موسعا

وإذا كان كذلك اختص بما له حد ينتهي إليه، وإلا كان كل مطلوب على التراخي موسعا، وكل مطلوب على الفور مضيقا، وهو وإن صح من جهة المعنى، ووقع في عبارة البعض أحيانا، إلا أنه غير ما عليه الاصطلاح، على ظاهر عباراتهم وتمثيلهم، والله سبحانه وتعالى أعلم (١).

وقد اختلف في ثبوت الوجوب الموسع، فنفاه قوم، لأن التوسعة تستلزم تجويز الترك، والوجوب يستلزم منعه، ومذهبنا ثبوته، وأن الأمر متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الوقت، ففي أي جزء منه أوقع المكلف الصلاة مثلا، كان ممتثلا مؤديا، ولا يأثم بالتأخير عن أوله، وإن لم يكن من ضرورة، لقوله ـ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ـ: " ما بين هذين وقت " (٢).

وذهب القاضي عبد الوهاب والقاضي أبو بكر الباقلاني ـ رحمهما الله سبحانه وتعالى ـ إلى وجوب التقديم أول الوقت المختار، أو العزم على الأداء فيه، ولا يجوز عندهما التأخير دون عزم على الأداء فيه، وهو مذهب بين، ونقل نحوه عن الغزالي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في حق الذاكر دون الغافل، والظاهر أنه مقصود القاضيين، إذ الغافل عن الفعل حتى خرج الوقت ليس بآثم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ونسب أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ لبعض المالكية، أن وقت الأداء هو ما يعينه المكلف للأداء من المختار، ولا يبعد رجوعه إلى القول المشهور، فظاهر كلام أبي الوليد الباجي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ أن مراد قائله حصول أداء الواجب به، وذلك حيث قاسه مستحسنا له على الواجب المخير، وسيأتي أن الخروج من عهدة الوجوب فيه، بما يعينه المكلف، ليس لتعينه للوجوب، بل لتحقق القدر المشترك فيه، وكذلك الحال هنا،


(١) وقفت بعد كتابتي لهذا بزمن، على التصريح بمثله للزركشي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في البحر.
(٢) رواه النسائي، والإمام مالك، والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>