[فصل في التقليد في الفروع]
التقليد في اللغة: جعل قلادة في العنق، ومنه تقليد الهدي.
قال في نثر الورود: فكأن المجتهد جعل الفتوى في عنق السائل، أو أن السائل جعل الأمر في عنق المسؤول، وهذا الأخير معروف في كلام العرب، ومنه قول لقيط الأيادي:
وقلِّدوا أمركم لله دركم … رحْبَ الذراع بأمر الحرب مطلعا
وأشار الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى - إلى معناه اصطلاحا، بقوله:
هو التزام مذهب الغير بلا … علم دليله الذي تأصلا
والمعنى أن التقليد في اصطلاح الأصوليين، هو التزام مذهب الغير من غير معرفة دليله، وعرفه التاج السبكي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في الجمع بقوله: أخذ القول من غير معرفة دليله.
وكتب عليه الشربيني - رحمه الله سبحانه وتعالى - ما نصه: أما الفعل والتقرير فلا يظهر جواز العمل بمجردهما من المجتهد، لجواز سهوه وغفلته.
وإنما يعول على الفعل والتقرير الواقعين من النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لكن ذلك ليس بتقليد، بل استدلال، وقد تقدم ذلك أول الكتاب.
فإن قلت: قد يقترن التقرير بما يدل على عدم الغفلة والرضا بالفعل.
قلت: يحتمل أنه رضيه لكونه مذهب غيره، وشرط الإنكار أن يكون منكرا عند الفاعل، ولعله قلد الغير تدبر اهـ
ونقل في النشر عن إمام الحرمين - رحمهما الله سبحانه وتعالى - أنه قال: ينبغي الإتيان، بلفظ يعم القول والفعل اهـ وهو بين.
وأما التقرير فإن أريد التقرير على أنه مذهبه، فواضح، وإن أريد مطلق التقرير، فالأوجه ما قاله الشربيني - رحمه الله سبحانه وتعالى -.
وخرج بقولنا: من غير معرفة دليله، أخذ قول الغير مع معرفة دليله، قال جلال الدين