للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إرشاد الفحول.

[فصل في اللغة]

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان محتاجا إلى الاستعانة بغيره، غير قادر على الاستقلال في استيفاء مطلوبه، فكان لا بد مما يحصل به التفاهم بينه وبين غيره، حتى يعينه على تحصيل مقصوده، وتسهيل مراده، ويسترشد به في ما لا يعلم، ويستنصحه فيما يشكل عليه، وغير ذلك، فأنعم الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليه بهذه الموضوعات اللغوية، ليتمكن من ذلك دون بذل جهد، ولا ضياع وقت.

قال التاج السبكي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في جمع الجوامع: من الألطاف حدوث الموضوعات اللغوية، ليعبر عما في الضمير، وهي أفيد من الإشارة والمثال، وأيسر اهـ

وإنما كانت أفيد، لإمكان التعبير بها عن الأشياء كلها، في كل الوقوت، في عموم الأحوال، مع وضوحها في مراد المتكلم، عند الصغير والكبير، والبليد والذكي، بخلاف الإشارة، فالتعبير بها عن كثير من الأمور على وجه ظاهر متعذر، ولا تأتى الإفادة بها في كل وقت، فالإفادة بها في اليل، والأماكن المظلمة، متعذرة أيضا، وكذلك يتعذر الإفهام بها إذا حال بينك وبين صاحبك ساتر ـ مثلا ـ وهي مع المقابلة والقرب لا يتمكن من فهم المراد بها كل الناس، إلا في بعض الأحوال، لكثرة ما يطرقها من الاحتمالات.

وإنما كانت الموضوعات أيسر، لأن التكلم أيسر من الأفعال، مع أنه لا يحتاج إلى وضع معين، فيحصل الإفهام به بمجرد أن يكون بحيث يسمعه، فلا يحتاج إلى تغيير وضع لترقب مواجهة، مع تعين ما يعبر به في الكلام، بخلاف الإشارة فإنها تحتاج إلى تأمل في الكيفية الدالة على المقصود، ومراقبة الطرف الآخر هل حصل له بها فهم المراد، وغير ذلك مما يوجب مشقة فادحة بتكرره عند إرادة الإخبار بأي شيء، ولو كان يسير الخطب، فانظر إلى اهتزاز النحلة أمام وخلف، وأعلى وأسفل، ويمينا ويسارا، لو تطلبه منك كل إفهام لصاحبك، فإنك ستكون في حرج بليغ، ومشقة فادحة.

وأما المثال فالمشقة فيه أفدح بكثير من الإشارة، مع ما يتطلبه من الوقت الكثير، وهذا ما أشار إليه الشيخ ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>