للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهل ناسخه كما قالوا.

وانظره فإن هذا وإن دل على التأخر، إلا أنه ليس في ثبوت النسخ، بل في ثبوت الناسخية لنص جهل اتصافه بها، فهو بيان للناسخ، لا للنسخ، إذ لو قال ذلك في ما لا يعلم نسخه، لم يكن لقوله أثر، على المعول، وإنما يدل على النسخ على مقابله الذي لم يشترط في دلالته عليه العلم بنسخ الآخر.

والفرق بين قوله: هذا سابق، وقوله: هذا ناسخ، أن دعوى السبق لا تكون ـ عادة ـ عن اجتهاد، بخلاف دعوى النسخ، فقد تقع عن اجتهاد.

والتأثير دع … بوفق واحد للاصل تتبع

وكون راويه الصحابي يقتفي … ومثله تأخر في المصحف

أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بأول البيتين، إلى أن موافقة أحد النصين المتعارضين للبراءة الأصلية، لا تدل على أنه الناسخ، خلافا لمن قال بذلك، لأن الأصل مخالفة الشرع لها.

وأجيب بأنه غير لازم، فقد يكون المنسوخ جاء على وفق البراءة الأصلية، وسيأتي - إن شاء الله سبحانه وتعالى- في المرجحات أن منهم من استدل بموافقة البراءة على التقدم.

وأشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله: وكون راويه الصحابي يقتفي، إلى أنه إذا تعارض حديثان تعارضا لا يتأتى الجمع معه، وكان إسلام راوي أحدهما متأخرا عن إسلام الآخر، فذلك لا يستلزم كون مرويه هو الناسخ، لجواز كون رواية المتقدم الإسلام متأخرة، خلافا لمن استدل بذلك.

وذلك كحديث أبي هريرة (١) مع حديث طلق (٢) - رضي الله سبحانه وتعالى عنهما - في الوضوء من مس الذكر، فطلق ـ رضي الله سبحانه وتعالى عنه ـ أقدم إسلاما.


(١) يعني حديث " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ " أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وصححه.
(٢) يعني حديث " هل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك؟ " روه أبو داوود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>