هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
قال: فما انصرفوا إلّا على تفضيلى.
وحدثنى عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن زيد النحوى، قال: بلغنى أنّ المفضّل الضّبى قال: خرجت حاجّا، فأتيت المدينة؛ فلما بلغ أهل الأدب مكانى أتونى، فتذاكرنا، فأجمعوا على أنّ جميلا أشعر من كثير، فسلمت علما بأنّ جميلا شاعر الحجاز، ثم أجمعوا على أنّ جميلا أعشق من كثير. قال: وكنت أميل إلى كثير، فقلت: فأنا أوجدكم ضرورة أنّ كثيرا أعشق من جميل. قالوا: فباسم الله إذا. قلت:
ألستم تعلمون أنّ بثينة شتمت جميلا؛ فبلغه ذلك، فقال:
رمى الله فى عينى بثينة بالقذى
... البيت.
قالوا: اللهم نعم، قلت: وصنعت عزّة بكثير مثل صنيع بثينة: فقال كثير «٥٣»[١٠٠] :
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
يكلّفها الخنزير شتمى وما بها ... هوانى ولكن للمليك استذلّت
أصاب الردى من كان يهوى لك الردى ... وجنّ اللواتى قلن عزة جنّت
فما أنا بالداعى لعزة بالرّدى ... ولا شامت إن نعل عزة زلّت
قالوا: صدقت.
أخبرنى محمد بن محمد القصرى، قال: حدثنا يحيى بن على، قال: حدثنا أبو هفان، قال: تذاكروا تمنّى الشعراء لقاء الأحبة مع البلاء، فقالوا قول جميل «٥٤» :
ألا ليتنى أعمى أصمّ تقودنى ... بثينة لا يخفى علىّ كلامها
فقيل: هذا محال. إلّا أن يعطى آية فى خفاء كلام الناس عليه وسماعه لكلامها؛ ولكن أحسن ما فيه قول ابن الأحنف «٥٥» :
ألا ليتنى أعمى إذا حيل دونها «٥٦» ... وتنشا لنا أبصارنا حين نلتقى