للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تلاوته قوله تعالى: (أقم الصلاة لذكري) ، وقد رواه قتادة مرة فقال: للذكرى ومرة قال لذكري كما هي القراءة المتواترة، وكان الزهري - أيضا - يقرأها للذكرى وهذه القراءة أظهر في الدلالة على الفور، لأن المعنى: أد الصلاة حين الذكرى والمعنى أنه يصلي الصلاة إذا ذكرها، وبذلك فسرها أبو العالية والشعبي والنخعي وقال مجاهد: أقم الصلاة لذكري أي تذكرني قال: فإذا صلى عبد ذكر ربه، ومعنى قوله: أقم الصلاة لذكري، أي لأجل ذكري بها، والصلاة إنما فرضت ليذكر الله بها كما في حديث عائشة المرفوع: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله، خرجه الترمذي وأبو داود، فأوجب الله على خلقه كل يوم وليلة أن يذكروه خمس مرار بالصلاة المكتوبة، فمن ترك شيئا من ذكر الله الواجب عليه سهوا فليعد إليه إذا ذكر، كما قال تعالى: واذكر ربك إذا نسيت فقد أمره إذا نسي ربه أن يذكره بعد ذلك، فمن نسي الصلاة فقد نسي ذكر ربه، فإذا ذكر أنه نسي فليعد إلى ذكر الله بعد نسيانه".

وأما ترك الصلاة متعمدا فذهب أكثر العلماء إلى لزوم القضاء له، ومنهم من يحكيه إجماعا واستدل بعضهم بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم اقضوا الله الذي له، فالله أحق بالقضاء. واستدل بعضهم بأنه إذا أمر المعذور بالنوم والنسيان أمره بالقضاء، فغير المعذور أولى، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن المعذور إنما أمره بالقضاء لأنه جعل قضاءه كفارة له، والعامد ليس القضاء كفارة له، فإنه عاص تلزمه التوبة من ذنبه بالاتفاق، ولهذا قال الأكثرون لا كفارة على قاتل العمد، ولا على من حلف يمينا متعمدا فيها الكذب، لأن الكفارة لا تمحو ذنب هذا، وأيضا فإذا قيل إن القضاء إنما يجب بأمر جديد، وهو ألزم لكل من يقول بالمفهوم فلا دليل على إلزام العامد بالقضاء فإنه ليس لنا أمر جديد يقتضي أمره بالقضاء كالنائم والناسي.

واستدل بعضهم للزوم العامد القضاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في رمضان عمدا بالقضاء كما خرجه أبو داود، وهو حديث في إسناده مقال، تفرد به من لا يوثق بحفظه وإتقانه، وأيضا فيفرق بين من ترك

<<  <  ج: ص:  >  >>