للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبرهان يلزم منه وجود من يدركهما لأنهما ثمرة هذه المعارف المتنوعة الشاملة وغير ذوي الاختصاص يكفيهم الحكم المتضمن صحة أو ضعفا أو بطلانا. فإن حرصوا على المزيد فعليهم أن يسلكوا مسلك النقاد في إعداد الرصيد الكافي، فهذا أبو زرعة يقول: "نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له. وعلى القارئ أن يقدر الرصيد الذي يحتفظ به أبو زرعة خلف هذه الكلمات، فقد حفظ لرجل واحد هذا العدد ثم عرض هذا العدد على الأصول، ثم أصدر حكمه بقوله: "ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له". ومن لا يحيط بهذا العلم قد يشك في الخبر، فإذا ثبتت له صحته فإنه يقول متى حفظها؟ وكيف عرفها؟ وعلام عرضها؟ وهل عرض كل حديث عند ابن وهب على مئات مثل هذا الحديث عند غيره؟ وأسئلة غير هذه تلح على معرفة الدليل والحجة، ولكن ذلك بعيد المنال على من لا يعرف هذا الفن.

هذا الذي يحمل عليه كلام النقاد عندما يمتنعون عن الاحتجاج لقولهم ويظهر هذا جليا في قول أبي حاتم في بداية قصته التي أوردتها وفيها: "جاءني رجل من أهل الرأي" واهتمامات رجل الرأي غيرها عند رجل العلل الناقد، فإذا كان رجل الرأي لا يدرك الحجة في العلة، فإنه لا يعني خلوها من الحجة والدليل:

ولقد عبر ابن مهدي عن هذا المعنى تعبيرا دقيقا عندما قال: "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" وهو ما أبرزه ابن كثير أثناء تعريفه للعلل بقوله: وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل".

<<  <  ج: ص:  >  >>