للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ولما عجز المشركون عن إقامة الدليل، إذ مستندهم التقليد واتباع الظن أقام الدليل عليهم: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)} (١).

- ولما لم يُجدِ الدليل العلمي العقلي على بطلان مُدَّعَاهم، أتاهم بأدلة حسية مادية من الواقع تثبت بطلان ألوهية الأصنام:" {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (١٩٥)} (٢).

فهذه بعض معالم الحوار مع المشركين تجلّت فيها الاستقلالية التامة والحرية المطلقة التي أُعْطِيَتْ للمشركين؛ حيث قُوبل توترهم وردهم العنيف بالدعوة إلى إبداء الدليل العلمي، وإذ عجزوا عنه أقيم عليهم الدليل العلمي والواقعي على بطلان دعواهم دون أن يتعدى ذلك إلى أي شائبة من شوائب الإكراه المادي أو النفسي.

خلاصة

ونخلص مما سبق إلى أن الحوار وفق المنهج القرآني لا ينطلق من منطق الوصاية على الآخر، أو مجرد التعريف بما عند المحاور، إنما هي قضية بحث عن الحق أين كان، وهذا لا يعني أن المسلم عندما يدخل في حوار مع الآخرين قد تخلّى عن تصوراته، إنما الموضوعية تتجلّى في الاستعداد التام للتخلي عن جميع التصورات، وتبني نقيضها إذا ما اتضح أنَّ الحق مع الرأي


(١) - سورة الأنبياء. آية: ٢١ - ٢٤.
(٢) - سورة الأعراف. آية: ١٩١ - ١٩٥.

<<  <   >  >>