للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار .. ولكن لطول ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء .. ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالرُكب عند حلَقِ الذكر (١).

أخي الحبيب .. أرأيت الحياة لديهم كيف تكون ولماذا يعيشون؟ أين نحن من ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء؟ أين نحن من طلب العلم والاستماع للعلماء؟ كيف نرى أوقاتنا الضائعة إذا وافانا الأجل وحان الرحيل؟

كان حبيب العجمي عند موته يبكي ويقول: أريد أن أسافر سفرًا ما سافرته قط .. وأسلك طريقًا ما سلكته قط .. وأزور سيدي ومولاي وما رأيته قط .. وأشرف على أهوال ما شاهدتها قط ..

أما عمر بن عبد العزيز فقد قال: لولا أن تكون بدعة لحلفت أن لا أفرح من الدنيا بشيء أبدًا، حتى أعلم مما في وجوه رسل ربي إليَّ عند الموت، وما أحب أن يهون على الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المؤمن (٢).

وقال بعضهم: عجبًا لمن يعرف أن الموت حق، كيف يفرح؟ وعجبًا لمن يعرف أن النار حق، كيف يضحك؟ وعجبًا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها، كيف يطمئن إليها؟ وعجبًا لمن يعلم أن القدر


(١) منهاج القاصدين: (٤٣١).
(٢) حلية الأولياء: (٥/ ٣١٦).

<<  <   >  >>