فيها روايتان، وكذلك أهل الكلام، فذكروا للأشعري فيها [قولين](١)، وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل.
وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرًا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، فيقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله -عز وجل- يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء: ١٠].
فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد، لفوات شرط أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بَلَغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفِّر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدًا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله -عز وجل- يغفر له خطأه كائنًا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(١) في (خ، د): [قولان] والصواب: "قولين" -كما في (ف) - لأنه مفعول به، إلا أن يكون التقدير أنه في محل رفع مبتدأ.