وذكر ابن دقيق العيد، أيضًا أنه اعترض على الذين خصصوا عموم الأرض بتربة الأرض بوجوه منها: منع كون التربة مرادفة للتراب، وادعى أن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره مما يقاربه، ومنها: أنه مفهوم لقب أعني: تعليق الحكم بالتربة، ومفهوم اللقب ضعيف عند أرباب الأصول، وقالوا: لم يقل به إلا الدقاق، ومنها: أن الحديث الذي خُصت به التربة بالطهورية، لو سُلِّم أن مفهومه معمول به لكان الحديث الآخر بمنطوقه يدل على طهورية بقية أجزاء الأرض، أعني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مسجدًا وطهورًا"، وإذا تعارض في غيره التراب دلالة المفهوم الذي يقتضي عدم طهوريته، ودلالة المنطوق الذي يقتضي طهوريته، فالمنطوق مقدم على المفهوم. انتهى". اهـ ثم شرع العراقي في الرد على أقوال القرطبي وابن دقيق العيد ردودًا: لا تسلم له كلها، ومهما كان فهذا جمع جيد من العراقي لأقوال أهل العلم في المسألة، لذا آثرت نقله رغم طوله؛ والوجوه التي ذكرها ابن دقيق العيد في نظري قوية جدًّا، تجعل الباحث يميل إلى ترجيح قول مالك وأبي حنيفة، ومن الممكن أن يُرد أيضًا على أحمد والشافعي، بأن التيمم شُرع كرخصة، فمن لوازم الرخصة التيسير، وقصره على التراب المعهود فقط دون الرمل وغيره يُعد تضييقًّا مما يناقض التوسعة المقصودة من الرخصة، ويقصر الاستفادة منها على نفر معدود ممن عندهم تراب، وكذا فإنه لو لم يأتِ النص بجواز التيمم بعموم ما على الأرض، لكان قياس الرمل وغيره على التراب قياسًا صحيح الأركان متحد العلة. وقال برهان الدين إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية في كتابه: "المسائل الفقهية من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية" (٧٥) (ص ١١٩): "اختار ابن تيمية -رحمه الله- جواز التيمم بكل ما هو من جنس التراب مما له غبار يعلُق باليد، ويدخل فيه الرمل ما دام طيبًا طاهرًا بخلاف الأحجار والأشجار، فإنها ليست من جنس التراب ولا تعلق باليد، وهو مذهب