عقله السليم فتخبط حتى خبط فيها خبط عشواء، ولم يفرق بين الحق والباطل، وإلا فالله أعظم لطفًا بعباده من أن لا يجعل لهم عقلًا يقبل الحق ويثبته، ويبطل الباطل وينفيه. ولكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال. وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانًا يزن به العبد الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل. ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال: إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟ هذا باطل قطعًا يشهد له كل عقل سليم، لكن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور: ٤٠].
قال الشيخ الإمام قدس الله روحه: فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جُلَّ همي إلى الأصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم، وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة العقلية والنقلية (١).
ترك شيخ الإسلام منهجًا علميًا رصينًا؛ لفهم كتاب الله العزيز وشرح أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وألف في ذلك رسالته المشهورة المعروفة بمقدمة في أصول التفسير، كما شرح ووضح دقائق مصطلح الحديث، وشرح أحاديث كثيرة في ثنايا مؤلفاته، وفي رسائل مستقلة، وبين مقاصد الشريعة في كتاباته الكثيرة في ضوء
(١) "الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" بتحقيق صلاح الدين المنجد (ص ٣٤ - ٣٥).