الثالث في محله وهو حكم يحتمل الوجود والعدم من حيث ذاته ولم يلحق منافيه من تأييد أو تأقيت ثبت نصا أو دلالة وإلا فلا نسخ.
وتنويره أن الحكم إما أن لا يحتمل العدم لذاته كالأحكام العقلية من أسماء الله وصفاته وما يجري مجراها من الأمور الحسية أو لا يحتمل الوجود كالممتنع أو يحتملها كالشرعية الفرعية فإن لحقه تأييد أي دوام ما دامت دار التكليف نصا كآيتى ادخلوا خالدين ولا حمل على المكث الطويل بلا قرينة وفيه الكلام. قيل ومنه:{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: ٥٥] فهو تأييد في صورة التأقيت وذا باعتبار تضمنه الحكم بوجوب تقدم المؤمن على الكافر في الكرامات كالشهادة أو لأن مفهومه يحتملهما ذاتا كقوله عليه السلام: "الجهاد ماض إلى يوم القيامة" أو دلالة كالشرائع التي قبض عليها النبي عليه السلام كما مر أو توقيت كان يقول أحللت هذا إلى عشر سنين أو كان إخبارًا عن الأمور الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية لم يقبل النسخ والإلزام خلاف قضية العقل والبداء والتناقض والكذب وإن أطلق فهذا هو المحل لجواز النسخ إذ لا دليل على البقاء عقلا أو نصا بل ظاهرا بخلاف الأقسام الستة فهذا كالبشرى يثبت الملك دون البقاء فينسخ لانعدام الداعي إلى شرعه لا أن الناسخ بعينه أبطله بل أظهره فلم يلزم تنافض وبداء واجتماع حسن وقبح في آن واحد بل في آنين ولو في فعل واحد كإيجاب الصوم غدا ونسخه قبله ولا يرد ذبح إسماعيل عليه السلام أنه مأمور به بعد الفداء لأنه فداؤه ومنهي عنه - رحمه الله - لأنه حرام قيل لأنه ليس بمنسوخ بل ثابت نحول مما أضيف إليه بسبب الفداء على ذلك قد صدقت الرؤيا أي حققت مما أمرت به بالإتيان ببدله فإن الإبدال ليس نسخا كالتيمم فذبح الشاة بالأمر الأول.
فأولا: لأنه لا أمر آخر والمأمور بلا أمر مح.
وثانيا: لأن موجب الفداء هو موجب الأصل كالشيخ الفاني هو المعلوم من نص النقدية كما عرف وأبرز في صورة ذبح الولد تحقيقا للابتلاء فيه وفي والده.
ورد بمنع أن الأمر بنفس الذبح بل بالاشتغال بمقدماته وإلا قال إني ذبحتك وقد اشتغل بها وبذا صدق الرؤيا، وأجيب أنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه بلا دليل بل ترويع الولد والإقدام على المذبح بالجد دليل الظاهر والعبارة عن المباشرة إنما هي أذبحك أما ذبحتك فعبارة الفراغ عنها وتصديقه الرؤيا في الذبح حاصل وهو إمرار السكين على محل الذبح إمرار بالمبالغة.