تحريره أن الوصية شاملة شرعا للأوامر والنواهي والمواعظ والتخصيص بالتبرع بعد الموت عرف فقهي طارئ وهي للأقارب كانت مفوضة إلينا هو المفهوم من قوله بالمعروف ثم أوجبها الشارع مقدرة في آية المواريث ولا شك أنها تنافي المفوضة فنسخها وحين لم ينسخ بها إلا وصية الأقارب لتلك المنافاة بقيت وصية الأجانب فتعينت مراده بقوله {بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا}[النساء: ١١] والحديث أوضح الأمرين نسخ الوصية المفوضة وإن المنسَوخة وصية الأَقارب.
وهذا تحقيق لكلام المشايخ لم أسبق إليه وبه يندفع أن إيجاب حق بسبب لا ينافي إيجابا كان بسبب آخر ولا نسخ بدون المنافاة وقال شمس الأئمة المنتفي بآية المواريث وجوب الوصية لا جوازها فالجواز نسخ بالحديث.
وفيه بحث لأن الجواز إباحة أصلية لا يكون رفعها نسخا ولا ينسخ الإمساك في البيوت أو الجلد لظاهر عمومه في حق الحصين بالرجم يفعله أو قوله عليه السلام إما لما روينا عن عمر رضي الله عنه أن الرجم كان مما يتلى في كتاب الله وهو قوله "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما" وإما لأن قوله تعالى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء: ١٥] بمعنى إلى أن فكان وجوب الإمساك مغيا به فبين عليه السلام إجماله بقوله أو فعله وذا جائز اتفاقا لأنه ليس نسخا وهذا أولى لما سبق أن المنسوخ تلاوته في حكم السنة فإن تواتر أو اشتهر فقد صح التمسك وإلا فلا يصح ناسخا على ما سيجيء ولا بنسخ لا يحل لك النساء من بعد بقول عائشة رضي الله عنها ما قبض رسول الله حتى أباح لله تعالى له من النساء ما شاء إن قوله من بعد محكم في التأييد ولو سلم فبقوله {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}[الأحزاب: ٥٠] الآية.
وقولها أباح ظاهر في أنها في الكتاب ولا بنسخ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}[الأنعام: ١٤٥] الآية بنهيه عن أكل ذي ناب إما لأنَ النهي رافع للإباحة الأصلية لا بحكم قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ}[البقرة: ٢٩] لأن معناه كما قيل خلق الكل للكل لا كل واحد لكل واحد ولئن سلم فالحديث مخصص لا ناسخ أو لأن معناه لا أجد إلا أن والتحريم في المستقبل لا ينافيه ولا ينسخ قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ
(١) هو ضمن حديث لا وصية لوارث، أخرجه ابن الجارود في المنتقى (١/ ٢٣٨) ح (٩٤٩)، وغيره، وتقدم تخريجه.