أما إذا لم يظهر حديثه بين السلف فلا يترك به وجوبًا لكن يجوز العمل به إذا لم يخالف القياس ليضاف الحكم إلى النص فلا يمنعه نافيه وهذا في القرون الثلاثة؛ لأن العدالة أصل فيها لا بعدها لظهور الفسق.
ولذا جوز أبو حنيفة رضي الله عنه القضاء بظاهر العدالة (١) لأنه في القرن الثالث، وقيل: لا يجوز لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ}[الإسراء: ٣٦] الآية تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}[الأنعام: ١١٦] دل على المنع من اتباع الظن مطلقًا فخولف في المعلوَم عدالته بالإجماع فيبقى في غيره وجوابه بعد ما مر أن المتبع هو الإجماع على إثبات الظن في الفروع وأن ذلك مخصوص بالأصول أن المراد بالمعلوم عدالته إن كان المتيقن فبط للإجماع على أنه إذا عدل الراوي اثنان يجب قبول روايته مع عدم التيقن وإن كان المظنون فهو حاصل بالأصل، أما أن المراد أعم من التيقن أو الظن بالقول فتخصيص بلا دليل واصطلاح غير معهود.
قيل: مبنى الخلاف على أن الأصل هو الفسق لأنه أثر القوه الشهوية والغضبية الغريزيتين والعدالة أثر التزام تكاليف الشر فهي طارئة ولأنه الغالب فيما بعد القرون الثلاثة بالحديث وأكثر أئمة المذهبين فيهم فلا ظن بعدالتهم ما لم يختبر حالهم ولم يترك الخبير بها.
قلنا: أولًا العقل الذي ليس مطروحًا في معرفة الحسن والقبيح بالكلية بل آلة لها غريزي وهي أثره.
وثانيًا: أن غريزية سبب الفسق لا ينافى ما ادعيناه من أصالة العدالة في القرون الثلاثة بالحديث واتباعه أولى، لا سيما أن التأثير بإجراء العادة لا بالإيجاب، فالمتبع في معرفة كيفيته صاحب الشرع.
وثالثًا: أن العدالة فيما بين رواة الحديث لا سيما إذا كانوا فقهاء هي الأصل ببركته هو الغالب بينهم في الواقع كما نشاهده، فلذا قلنا مجهول القرون الثلاثة في الرواية، أما في الضهادة فإن اختص قول الإِمام بالقرون الثلاثة كما قيل من أنه اختلاف زمان فذاك وإن كان اختلاف برهان وإن أفتى المتأخرون بقولهما فبالنظر إلى الإِسلام والتزام الأحكام وكمال العقل الزاجرة عن المعصية، وأن أول البلوغ يصادف العدالة لا شك أنها الأصل فيجوز العمل به فيما يكثر فيه الوقوع وإبطال الحقوق ثم ترجيحنا هذا أولى لأنه فيما بين نفسي العدالة والفسق لا سببهما.