وثالثًا: الآيات الدالة على جواز استعمال الرأى لاستخراج معانى النص نحو {الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[يونس: ٢٤]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] لتسببه لحياة نفسين بطريق الاعتبار وفي القياس ذلك فيشمله بالدلالة لا القياس لاشتراك اللغوى في فهمه من السياق.
ورابعًا: التعليلات المنصوصة المتواترة المعنى وإن كان تفاصيلها آحادًا كحديث الخثعمية والقبلة للصائم وأجر إتيان الأهل وحرمة الصدقة لبنى هاشم والشهداء والطواف والمستيقظ والصيد الواقع في الماء وغيرها فلولا التعبد به لما فعل قبل لعلة لا تعلم حكمتها لا للقياس لخفاء علتها ولذا جاء التعليل بالقاصرة ولانه بالنسبة إلى من يمنع القياس المنصوص العلة مصادرة وبالقياس إلى غيرهم استدلال على غير المتنازع.
قلنا: تعليم الحكمة لا للاعتبار بعيد عرفًا ولئن سلم فلولا أن الحكمة مدار الحكم ومقتضية له لما أفاد ويصح تسكًا على مانع المنصوص بإثبات صحتها وعلى غيره بأن الأصل الناشىء لا سيما في المشروع المتعلق بالكل.
وخامسًا: الإخباركحديث معاذ وأبى موسى وابن مسعود وهي مما تلقاه الأمة بالقبول فهي صحيحة.
قال الغزالي رحمه الله فيقبل ولو كان مرسلًا وقد قال عليه السلام "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"(١).
قيل: ظني فلا يكفي في الأصول.
قلنا الحق إنه يكفي فيما المطلوب منه العمل.
وسادسًا: الآثار المروية عن عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم في تخويزهم الرأى ولم ينكر فكان إجماعًا وطاعنهم ضال ومدعى اختصاصهم زال بلا قال ولهم في امتناعه الكتاب والسنة ومعنى في الدليل ومعنى في المدلول فالكتاب كقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام: ٥٩] حيث دل على أن الكتاب كاف في جميع الأحكام بعبارته أو إشارته أو دلالته أو اقتضائه وعند فقد الكل يعمل بالاستصحاب لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ}[الأنعام: ١٤٥] الآية فلو كان القياس حجة لما كفى قلنا تبيان لا بلفظة فقط وضعا بل وتارة بمعناه جليًا أو خفيًا فيتناوله كالدلالة وربما يقال التبيان بالمعنى والبيان باللفظ وفي ذلك تعطم شأن نظمه ومعناه
(١) لا أصل له، وتقدم، وانظر كشف الخفاء للعجلونى (١/ ٤٣٦) المصنوع (١/ ٩٥).