ثم العشاء أربعًا بإزاء الأعضاء الرئيسية الأربعة لأنها محال قوى بها بقاء حياة الإنسان نوعًا وشخصًا واستقرار سلطته ولذا خص بحصول الوقت ووقت النوم فإن كمال الأعضاء يوجب استتامة الروح إليه.
ثم إذا انتهى زمان سلطة القوى البدنية وفرغ الروح من عبارته أقبل إلى عالمه فظهر نور تجرده وانتبه من نومه فظهر القلب أو حدث عند استخراج الكليات من الجزئيات على المذهبين فطلع الصبح المعنوى بظهور نور شمس الروح وجاء وقت صلاة الصبح ركعتين بإزاء الروح والبدن، أما أوضاعها:
فالقيام إشارة إلى تسليم الفطرة الإنسانية والركوع إلى تسليم النفس الحيوانية التي معها والاعتدال إلى أن لها بصحبة الناطقة هيئات اعتدالية كمالية.
والسجود إلى تسليم النفس النباتية والرفع إلى حصول الامتياز لها عن سائر أنواع النبات بتغيرها بالانقلاع عن الأرض والتصرف في توليد الأخلاط الأربعة بتركه صحبة الناطقة وتكراره إلى ثباتها على حالها في عدم الإدراك والإرادة بخلاف الحيوانية المدركة الكاسبة للملكات الفاضلة والقيام إلى الركعة الثانية إلى انخراطه في سلك الجبروت بكمال التجرد والتعقل بالفعل.
وركوعها صورة الانخراط في سلك الملكوت السماوية بالتنزه عن ملابس الشهوة والغضب وبالتأثير في الجهة السفلية والرفع عنه زيادة في مرتبتها باستعداد الولاية وسجودها إلى تسليم النفوس الشريفة الكوكبية والرفع عنه كما مر من الزيادة والسجود الثاني هو كون التأثير في العالم الجسماني والإقبال إليه مع حصول الشرف النفساني باقيا والتشهد بلوغ الروح بهذه العبادة الحقيقية إلى مقام المشاهدة مستقرًا متمكنًا في وصله معاينًا لما اعتقده من حقيقة الشهادتين محققًا لمعنى الإِسلام وهو القبض النازل من عند الله تعالى الواصل من عالم القدس إلى هذه النفوس المكمل إياها بتجريدها عن صفات النقص وآفات النفس وتكميلها بالكمالات الخلقية والوصفية الإلهية وبالجملة اتصافها بما أمكن لك منها وأما الأذكار فإن التواضع الذي هو صورة الفناء في القدرة في الركوع المشار به إلى تسليم القوة الحيوانية في الأولى والفلكية الملكية في الثانية إقرار بعظمته فيليق به التعظيم والتذلل في السجود عند تسليم القوة النباتية أو الكوكبية في الثانية والتسفل منه يناسب علوه والإقرار به والتكبير في الانتقالات يشير إلى أن هذه الصفات الدالة على الفناء المخصوص فيها وضغا وذكرًا ألا يؤدى حق عبادته.