وحديثا, ويستأنس لطلب العلو في الإسناد بما ذكرناه في هذا الكتاب في فصل الرحلة في سبيل العلم وقصة ضمام بن ثعلبة التي ذكرناها في باب التحمل.
والعلو: هو قلة رجال سند الأحاديث بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر من الأول, فالأول يسمى عاليا والثاني يسمى نازلا, وقد عظمت رغبة المتأخرين في طلب الإسناد العالي حتى غلب ذلك على كثير منهم بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه كالحفظ والإتقان والفقه والدراية.
وإنما كان العلو مرغوبا فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثروا كثرت مظان التجويز والاحتمال, وكلما قلوا قلت.
"أقسام العلو" قسم ابن الصلاح وتبعه النووي وغيره العلو إلى خمسة أقسام وإليك هذه الأقسام:
"الأول" وهو أجلها: القرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صحيح نظيف, فإن كان مع ضعف ففيه صورة العلو لا حقيقته وأما إذا كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة كابن هدبة وأبي الدنيا الأشج ونحوهما, فإنه كالعدم وهذا النوع سماه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة "العلو المطلق".
"الثاني" القرب من إمام من أئمة الحديث ذوي الصفات العلية كالحفظ والضبط والفقه مثل شعبة ومالك والثوري والشافعي والبخاري ومسلم ونحوهم, وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وهذا والذي بعده سماه الحافظ ابن حجر العلو النسبي.
"الثالث" العلو بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة أو غيرها من الكتب المعتمدة كمسند أحمد وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من