للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثاله: حديث عائشة -رضي الله عنها- في بدء الوحي, رواه البخاري ومسلم وغيرهما؛ فعائشة -رضي الله عنها- لم تشهد القصة، ولم تكن ولدت حينئذ فهي إما أن تكون سمعت الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، أو يكون بعض الصحابة أخبرها به فيكون من مراسيل الصحابة، وعلى هذا الاحتمال الثاني يكون الاستدلال بالحديث.

"حكمه" أنه حجة عند المحدثين والفقهاء, وهو في حكم الموصول المسند؛ لأن أكثر روايتهم عن الصحابة١, والجهالة بالصحابة لا تضر؛ لأنهم كلهم عدول, ثم إن بعض العلماء ذكر أن الاحتجاج به موضع إجماع، وقد ذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافا في الاحتجاج به عند الفقهاء، ويحكى عدم قبوله عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني لاحتمال تلقيه عن بعض التابعين.

وقد روى جماعة من الصحابة عن التابعين كابن عباس, وبقية العبادلة, فقد رووا عن كعب الأحبار بعض المرويات, ولكن فيما لا يتعلق بالحلال والحرام، وكعب من التابعين وقد صنف الخطيب وغيره في رواية الصحابة عن التابعين, فذكر جملة من الأحاديث, والحق أن روايات الصحابة عن التابعين قليلة نادرة، وأنها على قلتها ليست أحاديث مرفوعة، وإنما هو من الإسرائيليات، أو قصص وحكايات، أو موقوفا٢.


١ ذكر الغزالي في "المستصفي" أن عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة, وهو قول غريب عجيب، وقد قلده في مقالته من غير بحث جماعة، وقال محمد بن جعفر المعروف بغندر: إنها عشرة, وقال يحيى بن معين وأبو داود: إنها تسعة. وهو قول غير مقبول أيضا, وذكر بعض المتأخرين: إنها دون العشرين, لكنها من طرق صحاح, وقد اعتنى الحافظ ابن حجر بجميع الصحاح والحسان منها, فزادت عنده على الأربعين، وهذا سوى ما هو في حكم السماع كحكاية حضور فعل حدث بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم. "فتح الباري ج١١، ص٤٨٣" أقول: وهذا الذي وصل إليه الحافظ الكبير هو الحق ولا يلتفت لما سواه.
٢ التدريب شرح التقريب ص٧١.

<<  <   >  >>