قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد, فسألته عن الحديث, فقال: وهم أبو النضر -هو جرير بن حازم- إنما كنا جميعا في مجلس ثابت، وحجاج ابن أبي عثمان معنا, فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" , فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس, فقد انقلب الإسناد على جرير، والحديث معروف من رواية يحيى بن أبي كثير رواه مسلم والنسائي من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف.
"القلب عمدا": قد يقلب بعض المحدثين إسناد حديث قصدا للامتحان كما فعل علماء بغداد حين قدم عليهم الإمام البخاري، فإنهم اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر, ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه وهكذا حتى انتهى من أحاديثه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض, ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يحكم على البخاري بالعجز والتقصير وقلة العلم، ثم انتدب إليه رجل آخر فصنع مثل ما صنع الأول والبخاري يقول: لا أعرفه, وهكذا حتى تم العشرة فلما انتهوا التفت البخاري إلى الأول فقال له: أما حديثك الأول فهو كذا, وحديثك الثاني فهو كذا, وهكذا حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها, فأقر له العلماء بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.